التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{عٓسٓقٓ} (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حم ( 1 ) عسق ( 2 ) كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( 3 ) له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ( 4 ) تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم ( 5 ) والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ( 6 ) }

ابتدأت السورة بخمسة حروف متقطعة ، وقد رسمت في آيتين خلافا لمثيلاتها التي جاءت بأكثر من حرفين مثل ( كهيعص ) و ( المص ) و( المر ) وقد روى البغوي أن سبب ذلك هو الاختلاف في تلاوة الحروف هنا دون السور الأخرى . وقد روى هذا المفسر ( حم ) مبتدأ و ( عسق ) خبر . وروى الطبري أن ابن عباس كان يقرأ هذه الحروف بدون ( ع ) أي ( حم سق ) ويقول إن السين عمر كل فرقة كائنة ، والقاف كل جماعة كائنة . مما روى في معاني الحروف أنها ترمز إلى صفات الله تعالى وقسمه بها حيث تضمنت قسما ربانيا بحلمه ومجده وعلمه وسنائه وقدرته {[1802]} . كذلك مما روى من معانيها أنها ترمز إلى كلمات ( حرب ) يعز فيها الذليل ويذل العزيز من قريش و ( ملك ) يتحول من قوم إلى قوم ( عدو ) لقريش يقصدهم و ( سبي ) يكون فيهم و ( قدرة ) الله النافذة في خلقه{[1803]} . ونحن نتحفظ إزاء هذه الأقوال التخمينية ونرجح أنها للتنبيه والاسترعاء ، كما رجحنا بالنسبة للحروف المتقطعة الأخرى .

وقد أعقب الحروف توكيد وجه الخطاب فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله العزيز الحكيم الذي له ما في السماوات وما في الأرض العلي العظيم هو الذي يوحي إليه كما يوحي إلى النبيين من قبله . وأنه مراقب حفيظ على الذين اتخذوا من دونه أولياء وشركاء ، وليس هو مسؤولا ولا وكيلا عنهم ، وأن السماوات تكاد تتشقق من فوق الأرض من فظاعة ذلك لولا أن الملائكة يسبحون بحمد ربهم ويطلبون المغفرة لأهل الأرض ولولا أن الله سبحانه وتعالى قد اتصف بالغفران والرحمة مع علو شأنه وبالغ عظمته وقوته .

وأسلوب الآيات قوي نافذ ، وهي تمهيد لما يأتي بعدها .

رواية عجيبة عن سر ( حم عسق )

ولقد روى الطبري حديثا في تفسير المقطعين وصفه المفسر ابن كثير وهو من أئمة المحدثين بأنه غريب وعجيب منكر نورده كمثال لما كان يساق على هامش الآيات القرآنية نتيجة لما وقع من نزاع وخلاف سياسي بين الأمويين والهاشميين وبين العباسيين والعلويين . والحديث معزو إلى حذيفة بن اليمان وقد جاء فيه : أن رجلا جاء إلى ابن عباس فسأله عن تفسير المقطعين فأعرض عنه مرة ثم مرة فقال حذيفة له : أنا أنبئك به إنهما نزلا في رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقال له : عبد الله أو عبد الإله ينزل على نهر من أنهار المشرق تبنى عليه مدينتان ، يشق النهر بينهما شقا فإذا أذن الله في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مكانها وتصبح صاحبتها متعجبة كيف أفلتت ، فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجمع فيها كل جبار عنيد منهم ثم يخسف الله بها وبهم جميعا ، فذلك قوله { حم ( 1 ) عسق ( 2 ) } يعني عزيمة من الله وفتنة وقضاء ، حم عين يعني عدلا منه ، سين يعني سيكون ، وقاف يعني واقع بهاتين المدينتين !


[1802]:تفسير البغوي.
[1803]:المصدر نفسه.