{ حم * عسق } سمعت أبا إسحاق يقول : سمعت أبا عثمان بن أبي بكر المقري الزعفراني ، يقول : سمعت شيخي يقول : سمعت أبا بكر المؤمن يقول : سألت الحسين بن الفضل لِمَ قطّع { حم * عسق } ولم تقطّع { كهيعص } [ مريم : 1 ] ، و { المر } [ الرعد : 1 ] و { المص } [ الأعراف : 1 ] ؟ .
قال : لكونها من سور أوائلها { حم } ، فجرت مجرى نظائرها ، قبلها وبعدها ، وكان { حم } مبتدأ ، و { عسق } خبره ، ولأنّها آيتان ، وعدت أخواتها الّتي كتبت موصولة آية واحدة .
وقيل : لأنّ أهل التأويل لم يختلفوا في { كهيعص } وأخواتها ، إنّها حروف التهجي لا غيره ، واختلفوا في { حم } ، فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلوها فعلاً ، وقالوا ، معناه { حم } ، أي قضي ما هو كائن إلى يوم القيامة .
فأمّا تفسيرها أخبرنا عقيل بن محمد بن أحمد الفقيه : إنّ أبا الفرج المعافى بن زكريا القاضي ، أخبرهم عن محمد بن جرير ، حدثني أحمد ، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا أبو المغيرة عبدالقدوس بن الحجاج ، عن أرطأة بن المنذر ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال له وعنده حذيفة بن اليمان : أخبرني عن تفسير قول الله تعالى : { حم * عسق } قال : فأطرق ثمّ أعرض عنه ، ثمّ كرّر مقالته ، فلم يجيبه بشيء ، وكرّر مقالته ، ثمّ كرّر الثالثة ، فلم يجيبه شيئاً ، فقال له حذيفة : أنا أنبئك بها ، قد عرفت لِمَ كرهها ، نزلت في رجل من أهل بيته ، يقال له : عبد الاله أو عبد الله ، ينزل على نهر من أنهار المشرق ، يبني عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقا ، فإذا أذن الله تعالى في زوال ملكهم انقطاع دولتهم ومدّتهم ، بعث الله تعالى على احداهما ناراً ليلاً ، فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كلّها لم تكن مكانها ، وتصبح صاحبتها متعجبة كيف أفلتت ، فما هو إلاّ بياض يومها ذلك حتّى يجمع فيها كلّ جبّار عنيد منهم ، ثمّ يخسف الله تعالى بها وبهم جميعاً ، فذلك قوله تعالى : { حم * عسق } . يعني عزيمة من الله وفتنة وقضاء { حم * عسق } عدلاً منه ، سين سيكون فتنة ، قاف واقع بهما بهاتين المدينتين .
ونظير هذا التفسير ما أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن مخلد ، حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ، حدثنا عمار بن سيف الضبي أبو عبد الرّحمن ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي عن جرير بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصّراة تجتمع فيها جبابرة أهل الأرض ، تجبى إليها الخزائن ، يخسف بها ، وقال مرة : يخسف بأهلها ، فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة " .
وذكر عن ابن عباس إنّه كان يقرأ ( حم سق ) بغير عين ، ويقال : إنّ السين فيها كلّ فرقة كائنة ، وإنّ القاف كلّ جماعة كائنة ، ويقول : إنّ علياً إنّما كان يعلم الفتن بهما ، وكذلك هو في مصحف عبد الله ( حم سق ) .
وقال عكرمة : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله : { حم * عسق } .
فقال : ( ح ) حلمه ، ( م ) مجده ، ( عين ) علمه ، ( سين ) سناه ، ( ق ) قدرته ، أقسم الله تعالى بها .
وفي رواية أبي الجوزاء إنّ ابن عباس ، قال لنافع : ( عين ) فيها عذاب ، ( سين ) فيها مسخ ، ( ق ) فيها قذف . يدلّ عليه ما روي في حديث مرفوع إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجهه ، فقيل له : ما هذه الكآبة يارسول الله ؟ قال : " أخبرت ببلاء ينزل في أمتي . من خسف ومسخ وقذف ، ونار تحشرهم وريح تقذفهم في اليم ، وآيات متتابعات متصلة بنزول عيسى ( عليه السلام ) ، وخروج الدجال " .
وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح : ( ح ) حرب يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز في قريش ، ثمّ تُقضى إلى العرب ، ثمّ تُقضى إلى العجم ، ثمّ تمتد إلى خروج الدجال .
وقال عطاء : ( ح ) حرب في أهل مكّة يجحف بهم حتّى يأكلون الجيف وعظام الموتى ، ( م ) ملك يتحول من قوم إلى قوم ( ع ) عدو لقريش قصدهم ، ( س ) سيء يكون فيهم ، ( ق ) قدرة الله النافذة في خلقه .
وقال بكر بن عبد الله المزني : ( ح ) حرب تكون بين قريش والموالي ، فتكون الغلبة لقريش على الموالي ، ( م ) ملك بني أُمية ، ( ع ) علو ولد العبّاس ، ( سين ) سناء المهدي ( ق ) قوة عيسى ( عليه السلام ) حين ينزل ، فيقتل النصارى ويخرب البيع .
وقال محمد بن كعب : أقسم الله بحلمه ومجده وعلوه وسناءه وقدرته ، أن لا يعذب من عاد إليه بلا إله إلاّ الله مخلصاً له من قلبه ، وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير : ( ح ) من رحمن ، ( م ) من مجيد ، ( عين ) من عالم ، ( سين ) من قدوس ، ( ق ) من قاهر .
السدي : هو من الهجاء المقطع ، ( عين ) من العزيز ، ( سين ) من السلام ، ( ق ) من القادر .
وقيل : هذا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم ( فالحاء ) حوضه المورود ، و ( الميم ) ملكة الممدود ، و ( العين ) عزه الموجود ، و ( السين ) سناؤه المشهود ، و ( القاف ) قيامه في المقام المحمود ، وقربه في الكرامة إلى المعبود .
وقال ابن عباس : ليس من نبيّ صاحب كتاب إلاّ وقد أوحيت { حم * عسق } إليه ، فلذلك قال : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.