التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ} (21)

{ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( 13 )وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة( 14 ) فيومئذ وقعت الواقعة 1 ( 15 )وانشقت السماء فهي يومئذ واهية2 ( 16 ) والملك 3 على أرجاءها 4 ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( 17 ) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ( 18 ) فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه( 19 ) إني ظننت 5 أني ملاق حسابيه ( 20 ) فهو في عيشة راضية ( 21 ) في جنة عالية ( 22 ) قطوفها دانية6 ( 23 ) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم 7 في الأيام الخالية8 ( 24 ) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوتى كتابيه ( 25 ) ولم أدري ما حسابيه ( 26 ) يا ليتها كانت القاضية ( 27 ) ما أغنى عني ماليه ( 28 ) هلك عني سلطانيه9 ( 29 ) خذوه فغلوه 10( 30 ) ثم الجحيم صلوه 11( 31 ) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ( 32 ) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ( 33 ) ولا يحض على طعام المسكين ( 34 ) فليس له اليوم هاهنا حميم 12 ( 35 ) ولا طعام إلا من غسلين 13( 36 ) لا يأكله إلا الخاطئون ( 37 ) }[ 13-37 ] .

هذه الآيات احتوت وصف الحالة في يوم القيامة :

فحينما يحين الحين وينفخ في الصور وتحمل الأرض والجبال فتندك وتنهار وتشقق السماء وتتداعى تكون الواقعة قد وقعت والقيامة قد قامت . وإذ ذاك يحدق الملائكة بجميع الأرجاء والجوانب ، ويتجلى الله على عرشه المحمول من قبل ثمانية من ملائكته فوق الكون والخلق ، ويعرض الناس عليه دون أن تخفى منهم خافية ، ويكون قضاء الله فيهم ، حيث يكونون فريقين : فريقا يعطي كتابه بيمينه فيبتهج ويسر بما كان عليه من يقين بالله ولقائه وحسابه ويدخل الجنة ليتمتع فيها بالعيشة الراضية والقطوف الدانية ، ويقال له : كل واشرب هنيئا فهذا جزاء ما قدمت من صالح العمل في الدنيا .

وفريقا يعطى كتابه بشماله فيعتريه الرعب ويستشعر بالندم والحسرة ويتمنى لو لم يبعث ولم يحاسب ، ويعول قائلا إن ماله لم يغن عنه شيئا ، وسلطانه أو حجته قد غابت عنه ويؤمر الموكلون بالعذاب بأخذه وغل يده وطرحه في جنهم وربطه بسلسلة طولها سبعون ذراعا ؛ لأنه لم يؤمن بالله العظيم ، ولم يكن يحض على طعام المسكين ، ولن يجد له حينئذ صديقا حميما ولا ناصرا معينا ، ولن يكون له طعام إلا الصديد المعد للآثمين أمثاله .

والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها قائمة في هدف التذكير والإنذار . فكما أهلك الله المكذبين الكافرين الأولين بأنواع البلاء في الدنيا فقد أعد لهم أنواع العذاب في الآخرة . وشأن كفار العرب شأن الكفار السابقين ومصيرهم هو نفس المصير .

وقد ذكر مصير المؤمنين الصالحين في سياق ذكر مصير الكفار للمقابلة والتنويه جريا على الأسلوب القرآني .

والآيات الأولى قد استهدفت – كما هو المتبادر بالإضافة إلى حقيقة المشاهد الأخروية التي يجب الإيمان بها – تصوير شدة هول القيامة للتذكير والإنذار . وقد جاء وصف مصير المؤمنين أخاذا من شأنه أن يبعث الطمأنينة والاستبشار والرغبة في العمل الصالح في المؤمنين كما جاء وصف مصير الكفار مفزعا يثير الخوف ويحمل على الارعواء ، وهذا وذاك مما استهدفته الآيات فيما هو المتبادر أيضا .

ولقد استعيرت المألوفات الدنيوية في وصف مصير الفريقين جريا على النظم القرآني وتحقيقا لهدف التأثير في السامعين على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة عديدة .

ولقد نبهنا قبل على ما تعنيه عبارات إيتاء كتب الأعمال في الآخرة من اليمين والشمال في مناسبة سابقة فلا ضرورة للتكرار .

ولقد روى الطبري عن بعض التابعين أن كل ذراع من أذرع السلسلة سبعون باعا ، وكل باع أبعد مما بين مكة والكوفة وأن معنى { فاسلكوه } هو إدخال السلسلة في فيه حتى تخرج من دبره أو في دبره حتى تخرج من منخريه . وفي كتب التفسير الأخرى روايات وأقوال مماثلة بدون سند وثيق ، ومهما يكن من أمرها فهي من باب الترهيب وإثارة الخوف في نفوس الكفار .