التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا} (15)

( 14 )لا يخاف عقباها : قال بعض المفسرين : إن الجملة تعني أن الله لا يعبأ بأحد حينما ينزل عليهم عذابه ولا يسأل عن ذلك ، كما قالوا : إنها تعني شقي ثمود الذي أقدم على عقر الناقة دون أن يحسب حساب العاقبة{[2420]} .

1

ختام السورة:

تعليق على جملة { ونفس وما سواها }

وجملة { ونفس وما سواها7 } تعني نفس الإنسان دون الأحياء الأخرى كما هو ظاهر من مضامين الآيات الثلاث التالية لها .

ولما كان الله عز وجل قد خلق كل شيء ، وأحسن خلقه كما جاء في آيات أخرى منها آية سورة السجدة هذه : { الذي أحسن كل شيء خلقه } [ 7 ] فإن في ذكر الإنسان بما جاء في الآيات [ 7-10 ] معنى من معاني التنويه به وما اختصه الله به من إدراك وأودعه فيه من قابليات . ومعنى من معاني التنبيه على أنه ملزم دون غيره من الأحياء نتيجة لذلك بمسؤولية سلوكه . وفي هذا ما فيه من تكريم للإنسان وتحميله مسؤولية عن هذا التكريم . وقد تكررت هذه المعاني كثيرا في القرآن ؛ حيث ينطوي في ذلك خطورة ما تهدف إليه .

تعليق على جملة

{ فألهمها فجورها وتقواها }

وحديث نبوي ورد في تفسيرها

ولقد روى مسلم والترمذي عن عمران بن حصين قال : ( إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه . أشيء قضي عليهم ومضى أو فيما يستقبلون به . فقال : لا بل شيء قضي عليهم . وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل { ونفس وما سواها7 فألهمها فجورها وتقواها8 } ){[1]} حيث ينطوي في الحديث تفسير للآية مفاده : أن ما يفعله الإنسان من خير وشر وهو بقضاء رباني سابق لا حيلة فيه ، في حين أن الذي يتبادر بقوة من فحوى الآية وروحها : أنها تتضمن تقرير كون الله عز وجل قد أودع في الناس قابلية فعل الخير والشر والهدى والضلال والتمييز والاختيار والسلوك . وفي الآيتين التاليتين لها تأييد قوي لذلك ؛ حيث احتوتا تنبيها تبشيريا وإنذاريا إلى نتائج استعمال هذه القابلية مع نسبة هذا الاستعمال للإنسان . وحيث يبدو من ذلك قصد التنبيه على التلازم والتلاحم بين الاختيار ونتائجه . وحيث يتسق هذا مع التقريرات القرآنية السابقة بتحميل الإنسان مسؤولية عمله واختياره . وقد تكرر هذا كله بعد هذه السورة بأساليب متنوعة على ما سوف ننبه إليه في مناسباته حتى ليصح أن يقال : إنه من المبادئ القرآنية المحكمة ثم من الضوابط القرآنية التي يمكن أن يزول على ضوئها ما يبدو أحيانا من وهم المباينات والإشكالات في بعض العبارات القرآنية ، فإذا صح الحديث فيكون هناك حكمة نبوية ضاعت علينا .

وننبه على أننا لسنا هنا في صدد الكلام في موضوع القدر الذي قد يكون التفسير الذي انطوى في الحديث متصلا به ، ولسوف يأتي الكلام فيه في سياق سورة القمر إن شاء الله .

تعليق على ناقة ثمود

والناقة المذكورة قد وصفت بناقة الله ، وهذا يعني أنها معجزة ربانية ظهرت على يد نبي ثمود جوابا على تحديهم . وقد تكرر ذكرها في مواضع عديدة من القرآن المكي . والمفسرون يذكرون استنادا إلى الروايات أن الناقة خرجت من بطن صخرة ، كما يذكرون بيانات كثيرة عن جسمها وكيفية شربها وحلبها ومقامها ورغائها ، والمؤامرة على عقرها ، ونهاية أمرها وعن تدمير مساكن ثمود وإبادة أهلها{[2]} . غير أن كل ما جاء في القرآن عنها أنها آية من آيات الله وأن نبي ثمود وهو صالح عليه السلام اشترط عليهم أن يتحاموها ويمكنوها من نصيبها من الشراب وأن يجعلوا لشرابها يوما خاصا ، فلم يوفوا بشرطهم ثم عقروها وأصروا على الكفر والعناد فأخذتهم الرجفة ودمرت منازلهم وحل عليهم عذاب الله ونقمته كما جاء في قصة ثمود في سور الأعراف وهود والشعراء والنمل . والذي نراه إزاء الناقة وغيرها من معجزات الله التي أظهرها الله على يد رسله والمحكية في القرآن ، والتي هي في نطاق قدرة الله عز وجل ، هو الإيمان بما جاء في القرآن عنها والوقوف عند ذلك دون تزيد ولا تخمين ، والتحفظ إزاء ما توسع فيه الرواة توسعا جله غير قائم على أساس وثيق . والمرجح إن لم نقل المحقق أن أخبار ثمود وناقتهم على الوجه الذي ورد في القرآن أو ما يقاربه مما كان متداولا عند العرب قبل الإسلام . . . وفي آية سورة العنكبوت هذه : { وعاد وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين38 } دليل على ذلك ؛ فجاء ذكرهم بسبيل التذكير والإنذار بعاقبة مثل عاقبتهم لمن يطغى ويتمرد على الله ودعوته ، على ما هو ظاهر في أسلوب الآيات هنا وفي كل مكان آخر وردت فيه القصة . ولعل ما أورده المفسرون استنادا إلى الروايات قد يكون دليلا على ذلك التداول . ويضاف إلى هذا وهو بسبيل ذلك أيضا أن في مساكن ثمود التي تعرف اليوم بمداين صالح أطلالا مدمرة وأن عرب الحجاز كانوا يمرون بها في طريقهم إلى بلاد الشام .

هذا ، وليس في السورة إشارة إلى موقف تكذيب معين أو موقف حجاج ولجاج . وهي عرض لأهداف الدعوة عرضا عاما وإنذارا للناس بعاقبة كعاقبة قوم ثمود التي يعرفونها إذا طغوا وتمردوا على الله بصورة عامة ، ولذلك نرجح أنها من أوائل ما نزل من القرآن ، وتصح أن تسلك في سلك القسم الذي كانت تعنيه تسمية القرآن كالفاتحة والأعلى والليل والله أعلم .


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[2420]:- انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي مثلا.