اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا يَخَافُ عُقۡبَٰهَا} (15)

قوله : { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } . قرأ نافع{[60318]} وابن عامر : «فَلاَ » بالفاء ، والباقون : بالواو ، ورسمت في مصاحف المدينة والشام بالفاء ، وفي غيرها بالواو ، فقد قرأ كل بما يوافق رسم مصحفه .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : ولم يخف ، وهي مؤيدة لقراءة الواو . ذكره الزمخشري{[60319]} .

فالفاء تقتضي التعقيب ، وهو ظاهر ، والواو يجوز أن تكون للحال ، وأن تكون لاستئناف الإخبار .

قال القرطبي{[60320]} : روي أن ابن وهب وابن القاسم قالا : أخرج إلينا مالك مصحفاً لجده ، وزعم أنه كتبه في أيام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين كتب المصاحف ، وفيه : «ولاَ يَخافُ » بالواو وكذا هي في مصاحف أهل مكة والعراق : بالواو ، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم .

وضمير الفاعل في «يَخَافُ » الأظهر عوده على الرب تبارك وتعالى ، لأنه أقرب مذكور ، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد ، والهاء في «عُقْبَاهَا » ترجع إلى الفعلة ، وذلك لأنه تعالى يفعل ذلك بحق ، وكل من فعل فعلاً بحق فإنه لا يخاف عاقبة فعله .

وقيل : المراد تحقيق ذلك الفعل والله تعالى أجل من أن يوصف بذلك .

وقيل : المعنى أنه بالغ في الإعذار إليهم مبالغة من لا يخاف عاقبة عذابهم .

وقيل : يرجع إلى رسول الله ، أي : لا يخاف صالح - عليه الصلاة والسلام - عقبى هذه العقوبة لإنذاره إياهم ، ونجاه الله حين أهلكهم .

وقال السديُّ والضحاك والكلبي : إن الضمير يرجع إلى «أشْقَاهَا » ، أي : انبعث لعقرها والحال أنه غير خائف عاقبة هذه الفعلة الشنعاء ، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أيضاً{[60321]} .

في الكلام تقديم وتأخير : إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها ، وعقبى الشيء : خاتمته .

ختام السورة:

وروى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ { والشمس وَضُحَاهَا } فكَأَنَّمَا تصدَّق بِكُلِّ شيءٍ طَلعتْ عليْهِ الشَّمْسُ والقَمرُ »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[60318]:ينظر: السبعة 689، والحجة 6/420، وإعراب القراءات 2/491، وحجة القراءات 766.
[60319]:الكشاف 4/761.
[60320]:الجامع لأحكام القرآن 20/53.
[60321]:ينظر القرطبي (20/53).