معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

وقوله : { الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

( الآن ) حرف بنى على الألف واللام لم تخلع منه ، وترك على مذهب الصفة ؛ لأنه صفة في المعنى واللفظ ؛ كما رأيتهم فعلوا في ( الذي ) و ( الذين ) فتركوهما على مذهب الأداة ، والألف واللام لهما غير مفارقتين . ومثله قال الشاعر :

فإن الألاء يعلمونك منهم *** كعلمى مظَّنُّوك ما دمت أشعرا

فأدخل الألف واللام على ( ألاء ) ثم تركها مخفوضة في موضع النصب ؛ كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام . ومثله قوله :

وأنى حُبست اليوم والأمسِ قبله *** ببابك حتى كادت الشمس تغرب

فأدخل الألف واللام على ( أمس ) ثم تركه مخفوضا على ( جهته الأولى ) . ومثله قول الآخر :

تفقَّأُ فوقه القَلَع السوارى *** وجُنَّ الخاز بَازَ به جنونا

فمثل ( الآن ) بأنها كانت منصوبة قبل أن تدخل عليها الألف واللام ، ثم أدخلتهما فلم يغيراها . وأصل الآن إنْما كان ( أوان ) حذفت منها الألف وغيَّرت واوها إلى الألف ؛ كما قالوا في الراح : الرَيَاح ؛ أنشدني أبو القمقام الفقعسى :

كأن مَكَا كِىَّ الجِواء غُدَيَّةً *** نشاوَى تساقَوا بالرَيَاح المفَلْفَل

فجعل الرياح والأوان على جهة فَعَل ومرة على جهة فعال ؛ كما قالوا : زمن وزمان . وإن شئت جعلت ( الآن ) أصلها من قولك : آن لك أن تفعل ، أدخلت عليها الألف واللام ، ثم تركتها على مذهب فَعَلَ فأتاها النصبُ من نصب فعلَ . وهو وجه جيِّد ؛ كما قالوا : نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيلَ وقالَ وكثرة السؤال ، فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان . ولو خفضتا على أنهما أخرجتا من نيَّة الفعل كان صوابا ؛ سمعت العرب تقول : من شُبَّ إلى دُبَّ بالفتح ، ومن شُبٍّ إلى دُبٍّ ؛ يقول : مذ كان صغيرا إلى أن دَبّ ، وهو فَعَلَ .