قوله : { أَوَ آبَآؤُنَا } : قرأ ابن عامر وقالون بسكونِ الواوِ على أنَّها " أو " العاطفةُ المقتضيةُ للشكِّ . والباقون بفتحِها على أنها همزةُ استفهامٍ دخلَتْ على واوِ العطفِ . وهذا الخلافُ جارٍ أيضاً في الواقعة . وقد تقدَّم مثلُ هذا في الأعراف في قولِه : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى } [ الأعراف : 98 ] فمَنْ فتح الواوَ جاز " في آباؤنا " وجهان ، أحدهما : أَنْ يكونَ معطوفاً على مَحَلِّ " إنَّ " واسمِها . والثاني : أَنْ يكونَ معطوفاً على الضمير المستترِ في " لَمَبْعوثون " واستغنى بالفصلِ بهمزةِ الاستفهامِ . ومَنْ سَكَّنها تعيَّن فيه الأولُ دون الثاني على قولِ الجمهور لعَدَمِ الفاصل .
وقد أوضح هذا الزمخشريُّ حيث قال : " آباؤنا " معطوفٌ على محل " إنَّ " واسمِها ، أو على الضميرِ في " مَبْعوثون " . والذي جَوَّز العطفَ عليه الفصلُ بهمزةِ الاستفهام " . قال الشيخُ : أمَّا قولُه : " معطوفٌ على محلِّ إنَّ واسمها " فمذهبُ سيبويه خلافُه ؛ فإنَّ قولَك " إن زيداً قائمٌ وعمروٌ " " عمرٌو " فيه مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ . وأمَّا قولُه : " أو على الضميرِ في " مبعوثون " إلى آخره فلا يجوزُ أيضاً لأنَّ همزةَ الاستفهامِ لا تدخلُ إلاَّ على الجملِ لا على المفرد ؛ لأنه إذا عُطِف/ على المفردِ كان الفعلُ عاملاً في المفرد بوساطة حرفِ العطفِ ، وهمزةُ الاستفهام لا يَعْمَلُ ما قبلها فيما بعدها . فقوله : " أو آباؤنا " مبتدأٌ محذوفُ الخَبرِ ، تقديرُه : أو آباؤنا مبعوثون ، يَدُلُّ عليه ما قبله . فإذا قلتَ : " أقام زيدٌ أو عمرٌو " فعمرٌو مبتدأ محذوفُ الخبرِ لِما ذكرنا " .
قلت : أمَّا الردُّ الأولُ فلا يَلْزَمُ ؛ لأنه لا يلتزمُ مذهبَ سيبويه . وأمَّا الثاني فإنَّ الهمزةَ مؤكِّدة للأولى فهي داخلةٌ في الحقيقةِ على الجملةِ ، إلاَّ أنه فَصَلَ بين الهمزتين ب " إنَّ " واسمها وخبرها . يَدُلُّ على هذا ما قاله هو في سورةِ الواقعة ، فإنه قال : " دَخَلَتْ همزَةُ الاستفهامِ على حَرْفِ العطفِ . فإنْ قلت : كيف حَسُنَ العطفُ على المضمر " لَمبعوثون " من غيرِ تأكيدٍ ب " نحن " ؟ قلتُ : حَسُنَ للفاصلِ الذي هو الهمزةُ كما حَسُنَ في قولِه :
{ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] لفَصْلِ المؤكِّدة للنفي " . انتهى . فلم يَذْكُرْ هنا غيرَ هذا الوجهِ ، وتشبيهَه بقوله : لفَصْلِ المؤكِّدةِ للنفي ، لأنَّ " لا " مؤكدةٌ للنفي المتقدِّم ب " ما " . إلاَّ أنَّ هذا مُشْكِلٌ : بأنَّ الحرفَ إذا كُرِّر للتوكيد لم يُعَدْ في الأمر العام إلاَّ بإعادة ما اتصل به أولاً أو بضميرِه . وقد مضى القولُ فيه . وتحصَّل في رفع " آباؤنا " ثلاثةُ أوجهٍ : العطفُ على محلِّ " إن " واسمِها ، العطفُ على الضمير المستكنِّ في " لَمبعوثون " ، الرفعُ على الابتداء ، والخبرُ مضمرٌ . والعامل في " إذا " محذوفٌ أي : أنُبْعَثُ إذا مِتْنا . هذا إذا جَعَلْتَها ظرفاً غيرَ متضمنٍ لمعنى الشرطِ . فإنْ جَعَلْتَها شرطيةً كان جوابُها عاملاً فيها أي : أإذا مِتْنا بُعِثْنا أو حُشِرْنا .
وقُرِئ " إذا " دونَ استفهامٍ . وقد مضى القولُ فيه في الرعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.