الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِزِينَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ} (6)

قوله : { بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } : قرأ أبو بكر بتنوين " زينة " ونصب " الكواكب " وفيه وجهان ، أحدهما : أَنْ تكونَ الزينةُ مصدراً ، وفاعلُه محذوفٌ ، تقديره : بأنْ زَيَّنَ اللَّهُ الكواكبَ ، في كونِها مضيئةً حَسَنةً في أنفسها . والثاني : أنَّ الزينةَ اسمٌ لِما يُزان به كاللِّيْقَةِ : اسمٌ لِما تُلاقُ به الدَّواةُ ، فتكون " الكواكبُ " على هذا منصوبةً بإضمارِ " أَعْني " ، أو تكون بدلاً مِنْ سماء الدنيا بدلَ اشتمالٍ أي : كواكبها ، أو من محل " بزينة " .

وحمزةُ وحفصٌ كذلك ، إلاَّ أنهما خَفَضا الكواكب على أنْ يُرادَ بزينة : ما يُزان به ، والكواكب بدلٌ أو بيانٌ للزينة .

والباقون بإضافةِ " زينة " إلى " الكواكب " . وهي تحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ ، أحدها : أَنْ تكونَ إضافةَ أعمَّ إلى أخصَّ فتكونَ للبيان نحو : ثوبُ خَزّ . الثاني : أنها مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه أي : بأن زَيَّنَتِ الكواكبُ السماءَ بضوئِها . والثالث : أنه مضافٌ لمفعولِه أي : بأَنْ زَيَّنها اللَّهُ بأَنْ جَعَلها مشرِقةً مضيئةً في نفسِها .

وقرأ ابن عباس وابن مسعود بتنوينها ، ورفعِ الكواكب . فإنْ جَعَلْتَها مصدراً ارتفع " الكواكب " به ، وإنْ جَعَلْتَها اسماً لِما يُزان به فعلى هذا ترتفع " الكواكبُ " بإضمار مبتدأ أي : هي الكواكبُ ، وهي في قوة البدلِ . ومنع الفراءُ إعمالَ المصدرِ المنوَّن . وزعمَ أنه لم يُسْمَعْ . وهو غلَطٌ لقولِه تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ } [ البلد : 14 ] كما سيأتي إن شاء الله .