الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ } : " توفَّاهم " يجوز أن يكون ماضياً ، وإنما لم تلحق علامة التأنيث للفعل لأن التأنيث مجازي ، و يدل على كونِه فعلاً ماضياً قراءةُ " توفَّتْهم " بتاء التأنيث ، ويجوز أن يكون مضارعاً حُذِفت إحدى التاءين منه ، والأصلُ : تتوفاهم .

و " ظالمي " حالٌ من ضمير " توفَّاهم " والإِضافةُ غير محضة ، إذ الأصل : ظالمين أنفسَهم . وفي خبر " إنَّ " هذه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه محذوفٌ تقديرُه : إنَّ الذين توفَّاهم الملائكةُ هَلَكوا ، ويكون قوله : { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } مبيِّناً لتلك الجملةِ المحذوفةِ . الثاني : أنه { فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } ودخلت الفاءُ زائدةً في الخبر تشبيهاً للموصول باسمِ الشرط ، ولم تمنع " إنَّ " من ذلك ، والأخفش يمنعه ، وعلى هذا فيكون قولُه : { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } إمَّا صفةً ل " ظالمي " أو حالاً للملائكة ، و " قد " معه مقدرةٌ عند مَنْ يشترط ذلك ، وعلى القول بالصفة فالعائد محذوف أي : ظالمين أنفسَهم قائلاً لهم الملائكة . والثالث : أنه " قالوا فيم كنتم " ، ولا بد من تقدير العائد أيضاً أي : قالوا لهم كذا ، و " فيم " خبر " كنتم " وهي " ما " الاستفهامية حُذِفت ألفها حين جُرَّتْ ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك عند قوله : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللَّهِ } [ البقرة : 91 ] والجملة من قوله : " فيمَ كنتم " في محل نصب بالقول . " وفي الأرض " متعلقٌ ب " مستضعفين " ، ولا يجوز أن يكون " في الأرض " هو الخبرَ ، و " مستضعفين " حالاً ، كما يجوز ذلك في نحو : " ان زيدٌ قائماً في الدار " لعدمِ الفائدةِ في هذا الخبر .

قوله : { فَتُهَاجِرُواْ } منصوبٌ في جوابِ الاستفهام ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك . وقال أبو البقاء : " ألم تكن " استفهام بمعنى التوبيخ ، " فتهاجروا " منصوبٌ على جواب الاستفهام ، لأنَّ النفيَ صار إثباتاً بالاستفهام " انتهى قولُه : " لأنَّ النفي " إلى آخره لا يَظْهر تعليلاً لقوله " منصوبٌ على جواب الاستفهام " لأن ذلك لا يَصِحُّ ، وكذا لا يَصِحُّ جَعْلُه علةً لقوله " بمعنى التوبيخ " . و " ساءت " : قد تقدم القول في { ساء } ، وأنها تجري مَجْرى " بِئْس " فيُشْترط في فاعلها ما يُشترط في فاعل تيك . و " مصيراً " تمييز .