الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

قوله تعالى : { أَن تَقْصُرُواْ } : هذا على حذفِ الخافض أي : في أَنْ تَقْصُروا ، فيكونُ في محلِّ " أَنْ " الوجهان المشهوران ، وهذا الجارُّ يتعلقُ بلفظِ " جُناح " أي : فليس عليكم جُناحٌ في قَصْرِ الصلاة . والجمهور على " تَقْصُروا " من " قَصَر " ثلاثياً . وقرأ ابن عباس : " تُقْصِروا " من " أَقْصر " وهما لغتان : قَصَر وأقصر ، حكاهما الأزهري ، وقرأ الضبي عن رجاله بقراءة ابن عباس . وقرأ الزهري : " تُقَصِّروا " مشدداً على التكثير . قوله : { مِنَ الصَّلاَةِ } في " مِنْ " وجهان ، أظهرُهما : أنها تبعيضيةٌ ، وهذا معنى قول أبي البقاء وزعم أنه مذهبُ سيبويه وأنها صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه : شيئاً من الصلاة . والثاني : أنها زائدةٌ وهذا رأي الأخفش فإنه لا يشترط في زيادتِها شيئاً . و " أن يَفْتِنَكم " مفعول " خِفْتم " وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي : " من الصلاة أن يَفْتنكم " بإسقاط الجملة الشرطية ، و " أَنْ يفْتنكم " على هذه القراءة مفعولٌ من اجله ، ولغةُ الحجاز " فَتَن " ثلاثياً ، وتميم وقيس : " أفتن " رباعياً .

و " لكم " متعلقٌ بمحذوف ؛ لأنه حالٌ من " عَدُوّاً " فإنه في الأصل صفةُ نكرةٍ ثم قُدِّم عليها ، وأجاز أبو البقاء أن يتعلَّق ب " كان " ، وفي المسألةِ خلافٌ مرَّ تفصيلُه . وأفرد " عَدُواً " وإن كان المرادُ به الجمعَ لِما تقدَّم تحقيقُه في البقرة ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يدل عليه ما قبله . وقيل : الكلامُ تَمَّ عند قولِه { مِنَ الصَّلاَةِ } ، والجملةُ الشرطيةُ مستأنفةٌ ، حتى قيل : إنها نزلت بعد سنةٍ من نزول ما قبلها ، وحينئذ فجوابُه أيضاً محذوفٌ ، لكن يُقَدَّرُ مِنْ جنس ما بعده ، وهذا قولٌ ضعيفٌ ، وتأخيرُ نزولها لا يقتضي استئنافاً .