قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } : عطفٌ على الكاف ، و { يا شعيبُ } اعتراضٌ بين المتعاطفَيْن .
قوله : { أو لَتَعُودُنَّ } عَطَفَ على جواب القسم الأول ، إذ التقدير : واللهِ لنخرجنَّكَ والمؤمنين أو لتعودُنَّ . فالعَوْدُ مسندٌ إلى ضمير النبي ومَنْ آمن معه . و { عاد } لها في لسانهم استعمالان : أحدهما وهو الأصلُ أنه الرجوعُ إلى ما كان عليه من الحال الأول . والثاني استعمالُها بمعنى صار ، وحينئذ ترفعُ الاسمَ وتنصِبُ الخبر ، فلا تكتفي بمرفوعٍ وتفتقر إلى منصوب ، وهذا عند بعضهم . ومنهم مَنْ منع أن تكون بمعنى صار ، فمِنْ مجيئها بمعنى صار عند بعضهم قولُ الشاعر :
وَرَبَّيْتُه حتى إذا ما تركتُه *** أخا القوم واستغنى عن المسح شاربُهْ
وبالمَحْضِ حتى عاد جَعْداً عَنَطْنَطا *** إذا قام ساوى غاربَ الفحل غاربُهْ
فرفع ب " عاد " ضميرَ الأول ونَصَبَ بها " جَعْداً " . ومَنْ مَنَع ذلك يَجْعل المنصوب حالاً .
ولكن استشكلوا على كونِها بمعناها الأصلي أنَّ شعيباً صلى الله عليه وسلم لم يكنْ قطُّ على دينهم ولا في مِلَّتِهِمْ . فكيف يَحْسُن أن يُقال :
{ أو لتعودُنَّ } أي : لَتَرْجِعُنَّ إلى حالتكم الأولى ، والخطابُ له ولأتباعه ؟
أحدها : أن هذا القولَ مِنْ رؤسائهم قصدوا به التلبيسَ على العوام والإِيهام لهم أنه كان على دينهم وفي مِلَّتِهِمْ .
الثاني : أن يُراد بعَوْده رجوعُه إلى حالةِ سكوتِه قبل بعثته ؛ لأنه قبل أن يبعث إليهم كان يُخْفي إيمانه وهو ساكتٌ عنهم ، يَرَى مِنْ معبودهم غيرَ الله .
الثالث : تغليبُ الجماعةِ على الواحدِ ؛ لأنهم لمَّا صحبوه في الإِخراج سحبوا عليه وعليهم حكمَ العَوْد في الملَّة تغليباً لهم عليه .
وأما إذا جَعَلْناها بمعنى صيَّر فلا إشكال في ذلك ، إذ المعنى : لَتَصِيرُنَّ في ملَّتنا بعد أن لم تكونوا . ف{ في مِلَّتنا } حالٌ على الأول ، خبر على الثاني ، وعدَّى " عاد " ب " في " الظرفيةِ كأن المِلَّةَ لهم بمنزلةِ الوعاءِ المحيط بهم .
قوله : { أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } الاستفهامُ للإِنكار تقديره : أيوجدُ منكم أحدُ هذين الشيئين : أعني الإِخراج من القرية والعَوْد في الملَّة على كل حال حتى في حال كراهيتنا لذلك ؟
وقال الزمخشري : " الهمزةُ للاستفهام ، والواوُ واو الحال تقديره : أتُعيدوننا في ملَّتكم في حالِ كراهتنا " .
قال الشيخ : وليست هذه واوَ الحال بل واوُ العطف ، عَطَفَتْ هذه الحالَ على حالٍ محذوفة ؛ كقوله عليه السلام : ( رُدُّوا السائل ولو بظِلْفٍ مُحْرَق ) . ليس المعنى : رُدُّوه حالَ الصدقة عليه بظِلْف مُحْرَق ، بل معناه : رُدُّوه مصحوباً بالصدقة ، ولو مصحوباً بظلف محرق .
قلت : وقد تقدَّمتْ هذه المسألةُ وأنه يَصِحُّ أن تُسَمَّى واوَ الحال وواوَ العطف وتحريرُ ذلك ، ولولا تكريرُه لما كرَّرْته .
وقال أبو البقاء : " ولو هنا بمعنى " إنْ " لأنها للمستقبل ، ويجوزُ أن تكونَ على أصلها ، ويكون المعنى : لو كنَّا كارهين في هذه الحال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.