الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلۡمَعَارِجِ} (3)

قوله : { مِّنَ اللَّهِ } : يجوزُ أَنْ يتعلَّق ب " دافعٌ " بمعنى : ليس له دافعٌ مِنْ جهته إذا جاء وقتُه ، وأَنْ يتعلَّقَ ب " واقع " وبه بَدَأَ الزمخشريُّ ، أي : واقعٌ من عندِه . وقال أبو البقاء : " ولم يَمْنَعِ النفيُ من ذلك ؛ لأنَّ " ليس " فعلٌ " ، كأنه استشعرَ أنَّ ما قبلَ النفيِ لاَ يعملُ فيما بعدَه ، فأجاب : بأنَّ النفيَ لَمَّا كان فِعْلاً ساغ ذلك .

وقال الشيخ : " والأجودُ أَنْ يكونَ " من الله " متعلقاً ب " واقعٍ " ، و " ليس له دافعٌ " جملةُ اعتراضٍ بين العاملِ ومعمولِه " انتهى . وهذا إنما يأتي على القولِ بأنَّ الجملةَ مستأنفةٌ ، لا صفةٌ ل " عذاب " وهو غيرُ الظاهرِ ، كما تقدَّم لأَخْذِ الكلامِ بعضِه بحُجْزَةِ بعضٍ .

قوله : { ذِي } صفقةٌ ل " الله " . والعامَّةُ " تَعْرُج " بالتاء " منْ فوقُ . والكسائيُّ بالياءِ مِنْ تحتُ وهما كقراءتَيْ " فناداه الملائكةُ " ، التاءِ ، واسْتَضْعَفَها بعضهُم : من حيث إنَّ مَخْرَج الجيمَ بعيدٌِنْ مَخْرَجِ التاءِ . وأُجيب عن ذلك : بأنَّها قريبةٌ من الشينِ ؛ لأنَّ النَّفَس الذي في الشينِ يُقَرِّبُها مِنْ مَخْرَجِ التاءِ ، الجيمُ تُدْغَمُ في الشين لِما بينهما من التقاربِ في المَخْرَجِ والصفةِ ، كما تقدَّم في { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } [ الفتح : 29 ] فَحُمِل الإِدغامُ في التاءِ على الإِدغامِ في الشينِ ؛ لِما بينَ الشينِ والتاءِ من التقاربِ . وأُجيب أيضاً : بأنَّ الإِدغامَ يكونُ لمجرَّدِ الصفاتِ ، وإنْ لم يتقارَبَا في المَخْرَجِ ، والجيمُ تُشارِكُ التاءَ في الاستفالِ والانفتاحِ والشِّدَّةِ . وتقدَّم الكلامُ على المعارجِ في الزخرف .