الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ} (5)

قوله : { النَّارِ } : العامَّةُ على جَرِّها ، وفيه أوجهٌ ، أحدها : أنه بدلٌ من " الأخدود " بدلُ اشتمالٍ ؛ لأنَّ الأخدودَ مشتملٌ عليها ، وحينئذٍ فلا بُدَّ فيه من الضميرِ ، فقال البصريون : هو مقدَّرٌ ، تقديرُه : النارِ فيه . وقال الكوفيون : أل قائمةٌ مَقامَ الضميرِ ، تقديرُه : نارِه ثم حُذِفَ الضميرُ ، وعُوِّضَ عنه أل . وتقدَّم البحثُ معهم في ذلك . الثاني : أنه بدلُ كلٍّ مِنْ كل ، ولا بدَّ حينئذٍ مِنْ حَذْفِ مضافٍ تقديرُه : أُخدودِ النار . الثالث : أنَّ التقديرَ : ذي النار ؛ لأنَّ الأخدودَ هو الشِّقُّ في الأرض ، حكاه أبو البقاء ، وهذا يُفْهِمُ أنَّ النارَ خفضٌ بالإِضافةِ لتلك الصفةِ المحذوفة ، فلمَّا حُذِف المضافُ قام المضافُ إليه مَقامَه في الإِعراب ، واتَّفَقَ أنَّ المحذوفَ كان مجروراً ، وقولُه : " لأنَّ الأُخْدودَ هو الشِّقُّ " تعليلٌ لصحةِ كونِه صاحبَ نارٍ ، وهذا ضعيفٌ جداً ، الرابع : أنَّ " النار " خفصٌ على الجوارِ ، نقله مكيٌّ عن الكوفيين ، وهذا يقتضي أنَّ " النار " كانت مستحقةً لغيرِ الجرِّ فعدَلَ عنه إلى الجرِّ للجوارِ . والذي يقتضي الحالَ أنَّه عَدَلَ عن الرفع ، ويَدُلُّ على ذلك أنه قد قُرِىء في الشاذِّ " النارُ " رفعاً ، والرَفعُ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ تقديرُه : قِتْلَتُهم النارُ . وقيل : بل هي مرفوعةً على الفاعليةِ تقديرُه : قَتَلَتْهم النارُ ، أي : أَحْرَقَتْهم ، والمرادُ حينئذٍ بأصحابِ الأخدودِ المؤمنون .

وقرأ العامَّةُ " الوَقود " بفتح الواو ، والحسن وأبو رجاء وأبو حيوة وعيسى بضمِّها ، وتقدَّمت القراءتان وقولُ الناسِ فيهما في أولِ البقرة .