وقوله : ( النار ) خفض على البدل من الأخدود ، وهو بدل الاشتمال {[19]} .
وقيل : هو خفض على الجوار ، وذلك بعيد {[20]} .
أحدهما {[21]} : أن {[22]} التقدير : النار ذات الوقود نارها ، والآخر : النار {[23]} التي فيها .
والأخدود : حفير [ مستطيل ] {[24]} كالخندق . يروى {[25]} أنه كان بموضع يقال له [ نجران ] {[26]} أحرق فيه قوم مؤمنون ، أحرقهم ملك من ملوك حمير مشرك ، وكان ذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة {[27]} .
وروى قتادة أن عليل بن أبي طالب رضي الله عنه قال : هم ناس كانوا بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوها {[28]} وكافروها ، فظهر مؤمنوها على [ كافريها ] {[29]} ثم اقتتلوا الثانية فظهر كافروها على مؤمنيها ، ثم أخذ بعضهم على بعض عهودا ومواثيق {[30]} ألا يغدر بعضهم ( بعضا ) {[31]} فغدر بهم الكفار فأخذوهم أخذا ، ثم إن رجلا من المؤمنين قال لهم : هل لكم إلى خير {[32]} ؟ توقدون [ نارا ] {[33]} ( ثم ) {[34]} تعرضوننا عليها فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون {[35]} ، ومن لا اقتحم النار [ فاسترحم ] {[36]} منه .
قال : [ فأججوا ] {[37]} نارا وعرضوا {[38]} عليها ، فجعلوا يقتحمونها ضنا بدينهم {[39]} حيث بقيت عجوز منهم كأنها تلكأت {[40]} ، فقال لها طفل في حجرها : يا أمه {[41]} ، امضي ولا تنافقي فقص الله جل ذكره نبأهم {[42]} وخبرهم {[43]} .
وقال ابن عباس : هم ماس من بني إسرائيل ، خدوا أخدودا في الأرض ثم أوقدوا فيه نارا ثم أقاموا علي ذلك الأخدود رجالا ثم عرضوا عليها ، وزعموا {[44]} أنه دانيال {[45]} وأصحابه {[46]} وكذلك قال الضحاك إلا أنه قال : فقالوا للرجال والنساء : تكفرون أو نقذفكم في النار ( قال ) {[47]} .
[ ويزعمون ] {[48]} أنه دانيال {[49]} وأصحابه {[50]} .
وروى صهيب {[51]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنه كان في من كان قبلكم ملك . وكان له ساحر فأتى الساحر الملك فقال : قد كبرت سني ودنا أجلي فادفع إلي غلاما أعلمه السحر ، فدفع إليه غلاما يعلمه السحر ، فكان الغلام يختلف إلى الساحر ، وكان بين الساحر وبين الملك راهب {[52]} .
قال {[53]} : فكان الغلام إذا مر بالراهب قعد إليه فيسمع كلامه ، فأعجب بكلامه ، فكان إذا أتى الساحر {[54]} ضربه الساحر وقال : ما حبسك ؟ .
وإذا أتى الغلام ( إلى ) {[55]} أهله قعد عند الراهب يسمع كلامه ، فإذا أتى أهله ضربوه وقالوا : ما حبسك ؟ فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال له الراهب : إذا قال لك الساحر ما حبسك ؟ فقل : حبسني الساحر .
فبينما هو كذلك ، غذ مر في طريق ، وإذا دابة عظيمة في الطريق وقد حبست الناس لا تدعهم يجوزون ، فقال الغلام : الآن أعلم ، أمر الساحر أرض عند الله أم لا أمر الراهب ؟ قال : فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فأني أرمي بهذا الحجر هذا ويمر الناس {[56]} . قال فرماها ، فقتلها وجاز الناس فبلغ ذلك الراهب ، وأتاه لغلام فقال الراهب للغلام : إنك حير مني ، وإن ابتليت فلا تدلن علي .
[ قال ] {[57]} وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء {[58]} . ( قال : وكان للملك جليس فعمي ، قال : فقيل له : إن ها هنا غلاما يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الآذاء {[59]} ) فلو أتيته ؟ قال : فاتخذ له هدايا ، ثم أتاه فقال : يا إلام إن أبرأتني {[60]} فهذه الهدايا كلها لك .
فقال : ما أنا أشفيك ، ولكن الله يشفي ، فإن آمنت دعوت الله أن يشفيك ، قال فآمن الأعمى ، فدعا الغلام الله –جل ذكره- فشفاه ، فقعد {[61]} إلى الملك [ كما كان يقعد ] {[62]} فقال له الملك : أليس كنت أعمى ؟ فقال نعم : قال : فمن شفاك ؟ قال : ربي . قال : ولك رب غيري ؟ قال : نعم ربي وربك الله . قال : فأخذه بالعذاب . وقال [ لتدلنني ] {[63]} على من علمك هذا .
قال : [ فدل ] {[64]} على الغلام ، قل : فدعا الغلام فقال : /ارجع عن دينك . فأبى الغلام ، قال : فأخذه بالعذاب ، فقال : فدل على الراهب ، فأخذ الراهب بالعذاب ، وقال له/ : ارجع عن دينك . فأبى ، قال : فوضع المنشار على هامته فشق حتى بلغ ( إلى ) {[65]} الأرض ، قم قال للغلام : لترجعن أو لأقتلنك {[66]} ، فقال : اذهبوا به حتى تبلغوه ذروة الجبل ، فإن رجع عن دينه وإلا [ دهدهوه ] {[67]} . فلم بلغ ذروة الجبل قال الغلام : اللهم اكفنيهم . فرجف بهم الجبل فوقعوا فماتوا كلهم . وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال : أين أصحابك ؟ قال {[68]} : كفانيهم الله جل ثناؤه . فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقورة فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه . قال فذهبوا فلما توسطوا به البحر قال الغلام : الله فاكفنيهم . فانقلبت بهم السفينة فغرقوا ، وجاء لغلام [ يتلمس ] {[69]} حتى دخل على الملك ، فقل الملك : أين أصحابك ؟ قال : دعوت الله فكفانيهم . قال : لأقتلنك . قال : ما أنت بقاتلي حتى تصنع ما آمرك . قال : وما أصنع . قال اجمع الناس في صعيد واحد ثم اصلبني ، ثم خذ {[70]} سهما من كنانتي فارمني وقل باسم ب الغلام ، فإنك ستقتلني .
قال : فجمع الملك الناس في صعيد واحد ، قل : وصلب الغلام واخذ سهما من كنانته فوضعه في كبد القوس ثم رمى له ، وقال : باسم الله رب الغلام . [ قال ] {[71]} : فوقع السهم في صدغ {[72]} الغلام ، فوضع الغلام يده على صدغه ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقيل للملك ما صنعت ؟ الذي كنت تحذر قد وقع ، قد آمن الناس برب الغلام ، فأمر الملك بأفواه الطرق والسكك فأخذت ، وخد الأخدود وضرب فيه النيران وأخضهم وقال : [ ارجعوا وإلا ألقيتكم ] {[73]} في النار . قال : فكانوا يلقونهم في النار . قال : فجاءت امرأة معها صبي . قال : فلما ذهبت تقتحم وجدت حر النار فنكصت {[74]} .
قال : فقال لها صبيها : يا أمه {[75]} امضي ، فإنك على الحق . فاقتحمت في النار {[76]} .
وقال الربيع بن أنس : كان أصحاب الأخدود قوما مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة {[77]} . وإن جبارا من عبدة {[78]} الأوثان أرسل إليهم يعرض عليهم الدخول في دينه أو يلقيهم في النار ، فاختاروا إلقاءهم في النار على الرجوع عن دينهم ، فألقوا في النار ، فنجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق بأن قبض ( الله ) {[79]} أرواحهم قبل أن تمسهم النار . قال : وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم ، فذلك قوله : ( ولهم عذاب الحريق ) أي : لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا {[80]} وهي ( النار ) {[81]} التي خرجت إليهم من الأخدود فأحرقتهم .
أي : ذات الحطب الجزل ، فإن [ ضممت ] {[74851]} الواو {[74852]} فمعناه ذات التوقد {[74853]} . والأخدود " الحفرة تحفر في الأرض " {[74854]}