البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ} (36)

وقيل : { في بيوت } مستأنف والعامل فيه { يسبح } حكاه أبو حاتم وجوزه الزمخشري .

فقال : وقد ذكر تعلقه بكمشكاة قال : أو بما بعده وهو { يسبح } أي { يسبح له } رجال في بيوت وفيها تكرير كقولك زيد في الدار جالس فيها أو بمحذوف كقوله { في تسع آيات } أي سبحوا في بيوت انتهى .

وعلى هذه الأقوال الثلاثة يوقف على قوله { عليم } والذي اختاره أن يتعلق { في بيوت } بقوله { يسبح } وإن ارتباط هذه بما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر أنه يهدي لنوره من يشاء ذكر حال من حصلت له الهداية لذلك النور وهم المؤمنون ، ثم ذكر أشرف عبادتهم القلبية وهو تنزيههم الله عن النقائص وإظهار ذلك بالتلفظ به في مساجد الجماعات ، ثم ذكر سائر أوصافهم من التزام ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وخوفهم ما يكون في البعث .

ولذلك جاء مقابل المؤمنين وهم الكفار في قوله { والذين كفروا } وكأنه لما ذكرت الهداية للنور جاء في التقسيم لقابل الهداية وعدم قابلها ، فبدىء بالمؤمن وما تأثر به من أنواع الهدى ثم ذكر الكافر .

والظاهر أن قوله { في بيوت } أريد به مدلوله من الجمعية .

وقال الحسن : أريد به بيت المقدس ، وسمى بيوتاً من حيث فيه يتحيز بعضها عن بعض ، ويؤثر أن عادة بني إسرائيل في وقيده في غاية التهمم والزيت مختوم على ظروفه وقد صنع صنعة وقدس حتى لا يجري الوقيد بغيره ، فكان أضوأ بيوت الأرض .

والظاهر أن { في بيوت } مطلق فيصدق على المساجد والبيوت التي تقع فيها الصلاة والعلم .

وقال مجاهد : بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن عباس والحسن أيضاً ومجاهد : هي المساجد التي من عادتها أن تنور بذلك النوع من المصابيح .

وقيل : الكعبة وبيت المقدس ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ومسجد قباء .

وقيل : بيوت الأنبياء .

ويقوي أنها المساجد قوله { يسبح له فيها بالغدو والآصال } وإذنه تعالى وأمره بأن { ترفع } أي يعظم قدرها قاله الحسن والضحاك .

وقال ابن عباس ومجاهد : تبنى وتعلى من قوله { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } وقيل : { ترفع } تطهر من الأنجاس والمعاصي .

وقيل : { ترفع } أي ترفع فيها الحوائج إلى الله .

وقيل : { ترفع } الأصوات بذكر الله وتلاوة القرآن .

{ ويذكر فيها اسمه } ظاهره مطلق الذكر فيعم كل ذكر عموم البدل .

وعن ابن عباس : توحيده وهو لا إله إلاّ الله .

وعنه : يتلى فيها كتابه .

وقيل : أسماؤه الحسنى .

وقيل : يصلى فيها .

36