البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

{ إن نشأ ننزل } ، دخلت إن على نشأ وإن للممكن ، أو المحقق المنبهم زمانه .

قال ابن عطية : ما في الشرط من الإبهام هو في هذه الآية في حيزنا ، وأما الله تعالى فقد علم أنه لا ينزل عليهم آية اضطرار ، وإنما جعل الله آيات الأنبياء والآيات الدالة عليه معرضة للنظر والفكر ، ليهتدي من سبق في علمه هداه ، ويضل من سبق ضلاله ، وليكون للنظرة كسب به يتعلق الثواب والعقاب ، وآية الاضطرار تدفع جميع هذا إن لو كانت . انتهى .

ومعنى آية : أي ملجئة إلى الإيمان يقهر عليه .

وقرأ أبو عمرو في رواية هرون عنه : إن يشأ ينزل على الغيبة ، أي إن يشأ الله ينزل ، وفي بعض المصاحف : لو شئنا لأنزلنا .

وقرأ الجمهور : فظلت ، ماضياً بمعنى المستقبل ، لأنه معطوف على ينزل .

وقرأ طلحة : فتظلل ، وأعناقهم .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح مجيء خاضعين خبراً عن الأعناق ؟ قلت : أصل الكلام : فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخشوع ، وترك الكلام على أصله كقولهم : ذهبت أهل اليمامة ، كان الأهل غير مذكور . انتهى .

وقال مجاهد ، وابن زيد ، والأخفش : جماعاتهم ، يقال : جاءني عنق من الناس ، أي جماعة ، ومنه قول الشاعر :

إن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا . . .

وقيل : أعناق الناس : رؤساؤهم ، ومقدموهم شبهوا بالأعناق ، كما قيل :

لهم الرؤوس والنواصي والصدور . . .

قال الشاعر :

في مجفل من نواصي الخيل مشهود . . .

وقيل : أريد الجارحة .

فقال ابن عبسى : هو على حذف مضاف ، أي أصحاب الأعناق .

وروعي هذا المحذوف في قوله : { خاضعين } ، حيث جاء جمعاً للمذكر العاقل ، أولاً حذف ، ولكنه اكتسى من إضافته للمذكر العاقل وصفه ، فأخبر عنه إخباره ، كما يكتسي المذكر التأنيث من إضافته إلى المؤنث في نحو :

كما شرقت صدر القناة من الدم . . .

أولاً حذف ، ولكنه لما وضعت لفعل لا يكون إلا مقصوداً للعاقل وهو الخضوع ، جمعت جمعه كما جاء : { أتينا طائعين } وقرأ عيسى ، وابن أبي عبلة : خاضعة .

وعن ابن عباس : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ، ستكون لنا عليهم الدولة ، فتذل أعناقهم بعد معاوية ، ويلحقهم هوان بعد عز .