البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

{ والذين لا يدعون } الآية سأل ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم ؟ فقال : « أن تجعل لله نداً وهو خلقك » قال : ثم أي ؟ قال : « أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك » قال : ثم أي ؟ قال :

« أن تزاني حليلة جارك » فأنزل الله تصديقها { والذين لا يدعون } الآية .

وقيل : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركون قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، فقالوا : إن الذين تقول وتدعو إليه لحسن ، أو تخبرنا أن لما علمنا كفارة فنزلت إلى { غفوراً رحيماً } .

وقيل : نزولها قصة وحشي في إسلامه في حديث طويل .

قال الزمخشري : نفي هذه التقبيحات العظام عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدين للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم ، كأنه قيل : والذين برأهم الله وطهرهم مما أنتم عليه .

وقال ابن عطية : إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان وقتلهم النفس بوأد البنات وغير ذلك من الظلم والاغتيال والغارات وبالزنا الذي كان عندهم مباحاً انتهى .

وتقدم تفسير نظير { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق } في سورة الأنعام .

وقرىء { يُلق } بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة وابن مسعود وأبو رجاء يلقى بألف ، كان نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقر الألف .

والآثام في اللغة العقاب وهو جزاء الإثم .

قال الشاعر :

جزى الله ابن عروة حيث أمسى *** عقوق والعقوق له آثام

أي حد وعقوبة وبه فسره قتادة وابن زيد .

وقال عبد الله بن عمرو ومجاهد وعكرمة وابن جبير : آثام واد في جهنم هذا اسمه جعله الله عقاباً للكفرة .

وقال أبو مسلم : الآثام الإثم ، ومعناه { يلق } جزاء آثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه .

وقال الحسن : الآثام اسم من أسماء جهنم .

وقيل : بئر فيها .

وقيل : جبل .

وقرأ ابن مسعود : يلق أياماً جمع يوم يعني شدائد .

يقال : يوم ذو أيام لليوم العصيب .

وذلك في قوله { ومن يفعل ذلك } يظهر أنه إشارة إلى المجموع من دعاء إله وقتل النفس بغير حق والزنا ، فيكون التضعيف مرتباً على مجموع هذه المعاصي ، ولا يلزم ذلك التضعيف على كل واحد منها .

ولا شك أن عذاب الكفار يتفاوت بحسب جرائمهم .