{ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } روى مجاهد عن ابن عباس قال : كما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد ، وقال المشركون : لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم وهم في الصلاة ، فنزلت آية القصر فيما بين الظهر والعصر ، الضرب في الأرض .
والظاهر جواز القصر في مطلق السفر ، وبه قال أهل الظاهر .
واختلفت فقهاء الأمصار في حدّ المسافة التي تقصر فيها الصلاة ، فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق : تقصر في أربعة برد ، وذلك ثمانية وأربعون ميلاً .
وقال أبو حنيفة والثوري : مسيرة ثلاث .
وقال أبو حنيفة : ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام .
وقال الأوزاعي : مسيرة يوم تام ، وحكاه عن عامة العلماء .
وقال الحسن والزهري : مسيرة يومين .
والظاهر أنه لا يعتبر نوع سفر ، بل يكفي مطلق السفر ، سواء كان في طاعة أو مباح أو معصية ، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة .
وروي عن ابن مسعود : أنه لا يقصر إلا في حج أو جهاد .
وقال عطاء : لا تقصر الصلاة إلا في سفر طاعة ، وروي عنه : أنها تقصر في السفر المباح .
وأجمعوا على القصر في سفر الحج والعمرة والجهاد وما ضارعها من صلة رحم ، وإحياء نفس .
والجمهور على أنه لا يجوز في سفر المعصية كالباغي ، وقاطع الطريق ، وما في معناهما .
والظاهر أنه لا يقصر إلا حتى يتصف بالسفر بالفعل ، ولا اعتبار بمسافة معينة ، ولا زمان .
وروي عن الحرث بن أبي ربيعة : أنه أراد سفراً فصلى بهم ركعتين في منزله ، والأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود ، وبه قال عطاء وسليمان بن موسى .
والجمهور على أنه لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية .
وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل .
والظاهر من قوله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أن القصر مباح .
وقال حماد بن أبي سليمان ، وأبو حنيفة ، ومحمد بن سحنون ، واسماعيل القاضي : فرض ، وروي عن عمر بن عبد العزيز .
والظاهر أن قوله : أن تقصروا ، مطلق في القصر ، ويحتاج إلى مقدار ما ينقص منها .
فذهبت جماعة إلى أنه قصر من أربع إلى اثنين .
وقال قوم : من ركعتين في السفر إلى ركعة ، والركعتان في السفر تمام .
{ إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ظاهره أنّ إباحة القصر مشروطة بالخوف المذكور ، وإلى ذلك ذهب جماعة .
ومن ذهب إلى أنّ القصر هو من ركعتي السفر إلى ركعة ، شرط الخوف ، وقال : تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها ، ويكون للإمام ركعتان .
وقالت طائفة : لا يراد بالقصر الصلاة هنا القصر من ركعتيها ، وإنما المراد القصر من هيآتها بترك الركوع والسجود في الإيماء ، وترك القيام إلى الركوع ، وروي فعل ذلك عن ابن عباس وطاووس .
وذهب آخرون إلى أنّ الآية مبيحة القصر من حدود الصلاة وهيآتها عند المسايفة واشتعال الحرب ، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه ، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه إلى ركعتين ، ورجح هذا القول الطبري بقوله : { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } أي بحدودها وهيآتها الكاملة .
والحديث الصحيح يدلّ على أنّ هذا الشرط لا مفهوم له ، فلا فرق بين الخوف والأمن ، وحديث يعلى في ذلك مشهور صحيح .
والفتنة هنا هي التعرض بما يكره من قتال وغيره .
ولغة الحجاز : فتن ، ولغة تميم وربيعة وقيس : أفتن رباعياً .
وقال أبو زيد : قصر من صلاته قصر ، أنقص من عددها .
وقرأ ابن عباس : أن تقصروا رباعياً ، وبه قرأ الضبي عن رجاله .
وقرأ الزهري : تقصروا مشدّداً ، ومن للتبعيض .
وقيل : الشرط ليس متعلقاً بقصر الصلاة ، بل تم الكلام عند قوله : أن تقصروا من الصلاة ، ثم ابتدأ حكم الخوف .
ويؤيده على قول : أنّ تجاراً قالوا : إنا نضرب في الأرض ، فكيف نصلي ؟ فنزلت : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ، ثم انقطع الكلام .
فلما كان بعد ذلك بسنة في غزاة بني أسد حين صليت الظهر قال بعض العدو : هلا شددتم عليهم وقد مكنوكم من ظهورهم ؟ فقالوا : إنّ لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأولادهم ، فنزلت : { إِن خفتم } -إِلى قَوله - { عذاباً مهيناً } صلاة الخوف .
ورجح هذا بأنه إذا علق الشرط بما قبله كان جواز القصر مع الأمن مستفاداً من السنة ، ويلزم منه نسخ الكتاب بالسنة .
وعلى تقدير الاستئناف لا يلزم ، ومتى استقام اللفظ وتم المعنى من غير محذور النسخ كان أولى انتهى .
وليس هذا بنسخ ، إنما فيه عدم اعتبار مفهوم الشرط ، وهو كثير في كلام العرب .
عزيز إذا حلّ الخليقان حوله *** بذي لحب لجأته وضواهله
وفي قراءة أبيّ وعبد الله : أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم ، بإسقاط إن خفتم ، وهو مفعول من أجله من حيث المعنى أي : مخافة أن يفتنكم .
وأصل الفتنة الاختبار بالشدائد .
{ إِن الكافرين كانوا لكم عدوّاً مبيناً } عدو : وصف يوصف به الواحد والجمع .
قال : هم العدو ، ومعنى مبيناً : أي مظهراً للعداوة ، بحيث أنّ عداوته ليست مستورة ، ولا هو يخفيها ، فمتى قدر على أذية فعلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.