هذه السورة مكية . قال ابن عطية : ولا خلاف فيها بين أحد من أهل التأويل . انتهى . ومعظمها نزل في الوليد بن المغيرة وأبي جهل .
ومناسبتها لما قبلها : أنه فيما قبلها ذكر أشياء من أحوال السعداء والأشقياء ، وذكر قدرته الباهرة وعلمه الواسع ، وأنه تعالى لو شاء لخسف بهم أو لأرسل عليهم حاصباً . وكان ما أخبر تعالى به هو ما تلقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وكان الكفار ينسبونه مرة إلى الشعر ، ومرة إلى السحر ، ومرة إلى الجنون ؛ فبدأ سبحانه وتعالى هذه السورة ببراءته مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون ، وتعظيم أجره على صبره على أذاهم ، وبالثناء على خلقه العظيم .
{ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } .
{ ن } : حرف من حروف المعجم ، نحو ص وق ، وهو غير معرب كبعض الحروف التي جاءت مع غيرها مهملة من العوامل والحكم على موضعها بالإعراب تخرص .
وما يروى عن ابن عباس ومجاهد : أنه اسم الحوت الأعظم الذي عليه الأرضون السبع .
وعن ابن عباس أيضاً والحسن وقتادة والضحاك : أنه اسم الدواة .
وعن معاوية بن قرة : يرفعه أنه لوح من نور .
وعن ابن عباس أيضاً : أنه آخر حرف من حروف الرحمن .
وعن جعفر الصادق : أنه نهر من أنهار الجنة ، لعله لا يصح شيء من ذلك .
وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره : ن حرف من حروف المعجم ، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم ، فهو إذن حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور . انتهى .
ومن قال إنه اسم الدواة أو الحوت وزعم أنه مقسم به كالقلم ، فإن كان علماً فينبغي أن يجر ، فإن كان مؤنثاً منع الصرف ، أو مذكراً صرف ، وإن كان جنساً أعرب ، ونون وليس فيه شيء من ذلك فضعف القول به .
وقال ابن عطية : إذا كان اسماً للدواة ، فإما أن يكون لغة لبعض العرب ، أو لفظة أعجمية عربت ، قال الشاعر :
إذا ما الشوق برّح بي إليهم *** ألقت النون بالدمع السجوم
فمن جعله البهموت ، جعل القلم هو الذي خلقه الله وأمره بكتب الكائنات ، وجعل الضمير في { يسطرون } للملائكة .
ومن قال : هو اسم ، جعله القلم المتعارف بأيدي الناس ؛ نص على ذلك ابن عباس وجعل الضمير في { يسطرون } للناس ، فجاء القسم على هذا المجموع أمر الكتاب الذي هو قوام للعلوم وأمور الدنيا والآخرة ، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من الله عامة . انتهى .
وقرأ الجمهور : { ن } بسكون النون وإدغامها في واو { والقلم } بغنة وقوم بغير غنة ، وأظهرها حمزة وأبو عمرو وابن كثير وقالون وحفص .
وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السمال : بكسر النون لالتقاء الساكنين ؛ وسعيد بن جبير وعيسى : بخلاف عنه بفتحها ، فاحتمل أن تكون حركة إعراب ، وهو اسم للسورة أقسم به وحذف حرف الجر ، فانتصب ومنع الصرف للعلمية والتأنيث ، ويكون { والقلم } معطوفاً عليه .
واحتمل أن يكون لالتقاء الساكنين ، وأوثر الفتح تخفيفاً كأين ، وما يحتمل أن تكون موصولة ومصدرية ، والضمير في { يسطرون } عائد على الكتاب لدلالة القلم عليهم ، فإما أن يراد بهم الحفظة ، وإما أن يراد كل كاتب .
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه ، فيكون الضمير في { يسطرون } لهم ، كأنه قيل : وأصحاب القلم ومسطوراتهم أو وتسطيرهم . انتهى .
فيكون كقوله : { كظلمات في بحر لجي } أي وكذي ظلمات ، ولهذا عاد عليه الضمير في قوله : { يغشاه موج }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.