البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

{ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون } هذا بيان لقوله { أتأتون الفاحشة } وأتى هنا من قوله أتى المرأة غشيها وهو استفهام على جهة التوبيخ والإنكار ، وقرأ نافع وحفص { إنكم } على الخبر المستأنف و { شهوة } مصدر في موضع الحال قاله الحوفي وابن عطية ، وجوّزه الزمخشري وأبو البقاء أي مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين لقبحها أو مفعول من أجله قاله الزمخشري ، وبدأ به البقاء أي للاشتهاء لا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمة وأنهم لا داعي لهم من جهة العقل كطلب النسل ونحوه و { من دون النساء } في موضع الحال أي منفردين عن النساء ، وقال الحوفي : { من دون النساء } متعلّق بشهوة و { بل } هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبىء بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء ، وقيل إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعوا إلى اتّباع الشهوات وهي الإسراف وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه

{ بل أنتم قوم عادون } ، وقيل إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم بل أنتم ، وقال الكرماني بل ردّ لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم ولا حجّة { بل أنتم } وجاء هنا { مسرفون } باسم الفاعل ليدلّ على الثبوت ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء وجاء في النمل { تجهلون } بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال .