الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

قوله تعالى : { أإنكم } : قرأ نافع وحفص عن عاصم : " إنكم " على الخبر المستأنف وهو بيانٌ لتلك الفاحشةِ . وقرأ الباقون بالاستفهام المقتضي للتوبيخ .

قوله : { شَهْوَةً } فيه وجهان ، أحدُهما : أنه مفعولٌ من أجله أي : لأجلِ الاشتهاء ، لا حاملَ لكم عليه إلا مجردُ الشهوة لا غير . والثاني : أنها مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحال أي : مشتهين أو باقٍ على مصدريته ، ناصبه " أتَأْتُون " لأنه بمعنى أتشتهون . ويقال : شَهِيَ يَشْهى شَهْوة ، وشَها يَشْهو شهوة قال :

وأَشْعَثَ يَشْهى النومَ قلت له ارتحِلْ *** إذا ما النجومُ أعرضَتْ واسْبَكَرَّتِ

وقد تقدَّم ذلك في آل عمران .

قوله : { مِّن دُونِ النِّسَآءِ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه حالٌ من " الرجال " أي : أتأتونهم منفردين عن النساء . والثاني : أنه متعلِّقٌ بشهوة قاله الحوفي . وليس بظاهرٍ أن تقولَ : " اشتهيت من كذا " ، إلا بمعنىً غيرِ لائق هنا . والثالث : أن يكونَ صفةً لشهوة أي : شهوةً كائنة من دونهن .

قوله : { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ } " بل " للإِضرابِ ، والمشهور أنه إضراب انتقالٍ من قصة إلى قصة إلى قصة ، فقيل : عن مذكور ، وهو الإِخبارُ بتجاوزهم عن الحدِّ في هذه الفاحشةِ أو عن توبيخهم وتقريرِهم والإِنكارِ عليهم . وقيل : بل للإِضراب عن شيء ، محذوف . واختُلِفَ فيه : فقال أبو البقاء : " تقديره ما عَدَلْتُم بل أنتم " . وقال الكرماني : " بل " رَدٌّ لجوابٍ زعموا أن يكونَ لهم عُذْراً أي : لا عذرَ لكم بل " . وجاء هنا بصفة القوم اسمَ الفاعل وهو " مُسْرفون " ؛ لأنه أدلُّ على الثبوت ولموافقة رؤوسِ الآيِ فإنها أسماء . وجاء في النمل " تَجْهَلُون " دلالةً على أنَّ جهلَهم يتجدَّد كلَّ وقتٍ ولموافقةِ رؤوس الآي فإنها أفعال .