اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

قوله : " أإنَّكُمْ " قرأ نافعٌ{[16471]} وحفصٌ عن عاصم : " إنكم " على الخبر المستأنف ، وهو بيان تلك الفاحشة ، وقرأ الباقون بالاستفهام المقتضي للتّوبيخ ، فقرأ ابنُ كثير بهمزة غير ممدودة وتليين الثَّانية ، وقرأ أبُوا عمرو بهمزة ممدودة للتّخفيف وتليين الثانية ، والباقون بهمزتين على الأصل .

قال الواحديُّ{[16472]} : " كان هذا استفهاماً معناه الإنكار لقوله تعالى : " أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ " ، وكلُّ واحد من الاستفهامين جملة مستقلة غير محتاجة في تمامها إلى شيء آخر " .

قوله : { لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً } قيل : نصب " شَهْوَةٍ " على أنه مفعول من أجله ، أي : لأجل الاشتِهَاءِ لا حامل لكم عليه إلاَّ مجرّد الشَّهوة لا غير .

وقيل : إنَّها مصدر واقعٌ موقع الحال ، أي : مشتهين أو باق على مصدريَّته ، ناصبة " أتَأتُونَ " ؛ لأنَّهُ بمعنى أتشتهون .

ويقال : شَهِيَ يَشْهَى شَهْوَةً ، [ وشَهَا يَشْهُو شَهْوَةٍ ]{[16473]} قال الشَّاعر : [ الطويل ]

وَأشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ : ارْتَحِلْ *** إذَا مَا النُّجُومُ أعْرَضَتْ واسْبَكَرَّتِ{[16474]}

وقد تقدَّم ذلك في آل عمران{[16475]} .

قوله : { مِّن دُونِ النساء } فيه ثلاثةُ أوْجُهٍ :

أحدها : أنَّهُ متعلق بمحذوف ، لأنَّهُ حال من " الرِّجالِ " أي : أتأتونهم منفردين عن النِّساء .

والثاني : أنَّهُ متعلِّق ب " شَهْوَة " ، قاله الحوفيُّ . وليس بظاهر أن تقول : " اشتهيتُ من كذا " ، إلاَّ بمعنى غير لائق هنا .

والثالث : أن يكُون صفة ل " شهوة " أي : شهوة كَائِنَة من دونهن .

قوله : { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } " بل " للإضراب ، والمشهور أنهُ إضراب انتقالٍ من قصّة إلى قصّة ، فقيل : عن مذكور ، وهو الإخبار بتجاوزهم عن الحدِّ في هذه الفاحشة ، أو عن توبيخهم وتقريرهم ، والإنكار عليهم .

وقيل : بل للإضراب عن شيء مَحْذُوفٍ . واختلف فيه :

فقال أبُو البقاء{[16476]} : " تقديرُهُ : ما عَدَلْتُم بل أنتم " .

وقال الكَرْمَانيُّ : " بل " ردٌّ لجواب زعموا أن يكون لهم عذراً أي : " لا عذر لكم بل " .

وجاء هان بصفة القوم اسم الفاعل وهو " مُسْرِفُونَ " ؛ لأنَّهُ أدلُّ على الثُّبوت ولموافقة رءوس الآي ؛ فإنَّهَا أسماء .

وجاء في النمل [ 55 ] { تَجْهَلُونَ } دلالة على أنَّ جهلهم يتجدد كل وقت ولموافقة رءوس الآي فإنها أفعال .

فصل في الإسراف

معنى " مُسْرِفُونَ " أي : يتجاوزون الحلال إلى الحَرَامِ .

قال الحسنُ : " كانوا لا ينكحون إلا الغرباء " {[16477]} .

وقال الكلبيُّ : " إنَّ أوَّل من عملَ عملَ قوم لوط إبليس ؛ لأنَّ بلادهم أخُصَبَتْ فانتجعها{[16478]} أهلُ البلدان ، فتمثل لهم إبليس في صورة شابّ ، ثم دعى إلى دُبرِهِ فنكح في دبره ، فأمر الله - تعالى - السَّماءَ أن تحصبهم ، والأرض أن تخسف بهم{[16479]} .


[16471]:ينظر: السبعة 285، 286، والحجة 4/43، 44، وحجة القراءات 287، وإعراب القراءات 1/192، والعنوان 96، وشرح شعلة 392، وإتحاف 2/54.
[16472]:ينظر: تفسير الرازي 14/137.
[16473]:سقط من أ.
[16474]:البيت للحطيئة ينظر: ديوانه 118، الطبري 12/548، الدر المصون 3/298.
[16475]:ينظر تفسير الآية 14 من سورة آل عمران.
[16476]:ينظر: الإملاء 1/279.
[16477]:ذكره القرطبي في تفسيره 7/156 عن الحسن.
[16478]:النجعة: عند العرب: المذهب في طلب الكلإ في موضعه. ينظر اللسان (نجع).
[16479]:ذكره القرطبي في تفسيره 7/156.