غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (81)

73

{ أئنكم لتؤتون } [ النمل : 55 ] وفي العنكبوت { إنكم لتأتون الفاحشة } [ الآية : 28 ] { أئنكم لتؤتون الرجال } [ النمل : 55 ] فجمع بين «إن » «وأئن » القصة { إنا منجوك } إنا منزلون . وانتصب { شهوة } على أنها مفعول له أي لا حامل لكم على غشيان الرجال من دون النساء إلا مجرد الشهوة ، أو مصدر وقع حالاً يقال : شهى يشهى شهوة { بل أنتم قوم مسرفون } إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحالة الموجبة لارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء . وختم هذه الآية بلفظ الاسم موافقة لرؤوس الآيات التي تقدمت { العالمين } { الناصحين } { جاثمين } { المرسلين } وفي النمل { قال بل أنتم قوم تجهلون } [ الآية : 55 ] أما العدول من الإسراف إلى الجهل فلتغير العبارة ، وكل إسراف جهل وكل جهل إسراف . وأما العدول من الاسم إلى الفعل فلتوافق ما قبلها من الآيات وكلها أفعال { ينصرون } { تتقون } { يعلمون } واعلم أن قبح هذا العمل كالأمر المقرر في الطباع ووجوه القبح فيه كثيرة منها : أن أكثر الناس يحترزون فيه عن الولد لأن الولد يحمل المرء على طلب المال وإتعاب النفس في وجوه المكاسب إلا أنه تعالى جعل الوقاع سبباً لحصول اللذة العظيمة حتى إن الإنسان يطلب تلك اللذة ويقدم على الوقاع وحينئذ يحصل الولد شاء أم أبى ، وبهذا الطريق يبقى النسل ولا ينقطع النوع فوضع اللذة في الوقاع يشبه وضع الشيء الذي يشتهيه الحيوان في الفخ والغرض إبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع . فكل لذة لا تؤدي إلى هذا الغرض وجب الحكم بتحريمها لما فيه من ضياع البذر ولزوم خلاف الحكمة . ومنها أن الذكورة مظنة الفعل والأنوثة مظنة الانفعال ، فانعكاس القضية يكون خروجاً عن مقتضى الطبيعة والحكمة ، ومنها أن الاشتغال بمحض الشهوة تشبه بالبهائم وخروج عن الغريزة الإنسانية . وهب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل إلا أنه سعى في إلحاق العار العظيم بالمفعول ما دام حياً ، والعاقل لا يرضى لأجل لذة زائلة إلحاق منقصة دائمة بغيره . ومنها أنه يوجب استحكام العداوة بين الفاعل والمفعول إلى حيث يقدم المفعول على قتل الفاعل ، أو على إلحاق الضرر به بكل طريق يقدر عليه وذلك لنفور طبعه عن رؤيته . وأما حصول هذا العمل بين الرجل والمرأة فإنه يوجب زيادة الألفة والمحبة كما قال تعالى

{ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } [ الروم : 21 ] ومنها أنه تعالى أودع في الرحم قوّة جاذبة للمني بحيث لا يبقى شيء منه في مجاريه وأوعيته ، أما إذا واقع الذكر فإنه يبقى شيء من أواخر المني في المجاري فيعفن ويفسد ويتولد من العلل والأورام في الأسافل كما يشهد به القوانين الطبية قال بعضهم : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 5 ، 6 ] يقتضي حل وطء المملوك مطلقاً ذكراً كان أو أنثى . ولا يمكن تخصيص هذا العموم بقوله { أتأتون الذكران من العالمين } [ الشعراء : 165 ] لأن كلاً من الآيتين أعم من الأخرى من وجه لأن المملوك قد يكون ذكراً وقد لا يكون ، والذكر قد يكون مملوكاً وقد لا يكون ، فتخصيص إحداهما بالأخرى ترجيح من غير مرجح بل الترجيح لجانب الحل لمقتضى الأصل وذلك لأن المالك مطلق التصرف ، ولأن شرع محمد أولى من شرع لوط . وأجيب بأن الاعتماد على التواتر الظاهر من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن هذا العمل حرام قال تعالى .