العيلة : الفقر ، عال يعيل افتقر .
وما يدري الفقير متى غناه *** وما يدري الغني متى يعيل
{ يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شآء إن الله عليم حكيم } لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أنْ يقرأ على مشركي مكة أول براءة ، وينبذ إليهم عهدهم ، وأنّ الله بريء من المشركين ورسوله قال أناس : يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة وانقطاع السبل وفقد الحمولات فنزلت .
وقيل : لما نزل إنما المشركون نجس ، شق على المسلمين وقالوا : من يأتينا بطعامنا ، وكانوا يقدمون عليهم بالتجارة ، فنزلت : وإن خفتم عيلة الآية .
والجمهور على أنّ المشرك من اتخذ مع الله إلهاً آخر ، وعلى أنّ أهل الكتاب ليسوا بمشركين .
ومن العلماء من أطلق عليهم اسم الاشراك لقوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أي يكفر به .
وقرأ الجمهور : نجس بفتح النون والجيم ، وهو مصدر نجس نجساً أي قذر قذراً ، والظاهر الحكم عليهم بأنهم نجس أي ذوو نجس .
قال ابن عباس ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيره : الشرك هو الذي نجسهم ، فأعيانهم نجسة كالخمر والكلاب والخنازير .
وقال الحسن : من صافح مشركاً فليتوضأ .
وفي التحرير وبالغ الحسن حتى قال : إن الوضوء يجب من مسِّ المشرك ، ولم يأخذ أحد بقول الحسن إلا الهادي من الزيدية .
وقال قتادة ، ومعمر بن راشد وغيرهما : وصف المشرك بالنجاسة لأنه جنب ، إذ غسله من الجنابة ليس بغسل ، وعلى هذا القول يجب الغسل على من أسلم من المشركين ، وهو مذهب مالك .
وقال ابن عبد الحكم : لا يجب ، ولا شك أنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات ، فجعلوا نجساً مبالغة في وصفهم بالنجاسة .
وقرأ أبو حيوة : نِجْس بكسر النون وسكون الجيم على تقدير حذف الموصوف ، أي : جنس نجس ، أو ضرب نجس ، وهو اسم فاعل من نجس ، فخففوه بعد الاتباع كما قالوا في كبد كبد وكرش كرش .
وقرأ ابن السميفع : أنجاس ، فاحتمل أن يكون جمع نجس المصدر كما قالوا أصناف ، واحتمل أن يكون جمع نجس اسم فاعل .
وفي النهي عن القربان منعهم عن دخوله والطواف به بحج أو عمرة أو غير ذلك كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، وهذا النهي من حيث المعنى هو متعلق بالمسلمين ، أي لا يتركونهم يقربون المسجد الحرام .
والظاهر أنّ النهي مختص بالمشركين وبالمسجد الحرام ، وهذا مذهب أبي حنيفة .
وأباح دخول اليهود والنصارى المسجد الحرام وغيره ، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد .
وقال الزمخشري : إنّ معنى قوله : «فلا يقربوا المسجد الحرام » فلا يحجوا ولا يعتمروا ، ويدل على قول عليّ حين نادى ببراءة : لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، قال : ولا يمنعون من دخول الحرم ، والمسجد الحرام ، وسائر المساجد عند أبي حنيفة انتهى .
وقال الشافعي : هي عامة في الكفار ، خاصة في المسجد الحرام ، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد .
وقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين ، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد .
وقال عطاء : المراد بالمسجد الحرام الحرم ، وأنّ على المسلمين أنْ لا يمكنوهم من دخوله .
وقيل : المراد من القربان أنْ يمنعوا من تولى المسجد الحرام والقيام بمصالحه ، ويعزلوا عن ذلك .
وقال جابر بن عبد الله وقتادة : لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب حرية ، أو عبد المسلم ، والمعنى بقوله بعد عامهم هذا : هو عام تسع من الهجرة ، وهو العام الذي حج فيه أبو بكر أميراً على الموسم وأتبع بعلي ونودي فيها ببراءة .
وقال قتادة : هو العام العاشر الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعيلة الفقر .
وقرأ ابن مسعود وعلقمة من أصحابه : عائلة وهو مصدر كالعاقبة ، أو نعت لمحذوف أي : حالاً عائلة ، وإنّ هنا على بابها من الشرط .
وقال عمرو بن قائد : المعنى وإذ خفتم كقولهم : إنْ كنت ابني فأطعني ، أي : إذ كنت .
وكون إنْ بمعنى إذ قول مرغوب عنه .
وتقدّم سبب نزول هذه الآية وفضله تعالى .
قال الضحاك : ما فتح عليهم من أخذ الجزية من أهل الذمة .
وقال عكرمة : أغناهم بادرار المطر عليهم ، وأسلمت العرب فتمادى حجهم ونحرهم ، وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم ، وعلق الاغناء بالمشيئة لأنه يقع في حق بعض دون بعض وفي وقت دون وقت .
وقيل : لإجراء الحكم على الحكمة ، فإنْ اقتضت الحكمة والمصلحة إغناءكم أغناكم .
وقال القرطبي : إعلاماً بأنّ الرزق لا يأتي بحيلة ولا اجتهاد ، وإنما هو فضل الله .
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني *** بنجوم أقطار السماء تعلقي
لكن من رزق الحجا حرم الغنى *** ضدان مفترقان أي تفرق
ومن الدليل على القضاء وكونه *** بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن الله بأحوالكم حكيم لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة .
وقال ابن عباس : عليم بما يصلحكم ، حكيم فيما حكم في المشركين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.