البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (32)

{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } مثلهم ومثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق ، ونور الله هداه الصادر عن القرآن والشرع المنبث ، فمن حيث سماه نوراً سمى محاولة إفساده إطفاء .

وقالت فرقة : النور القرآن وكنى بالأفواه عن قلة حيلتهم وضعفها .

أخبر أنهم يحاولون أمراً جسيماً بسعيٍ ضعيف ، فكان الإطفاء بنفخ الأفواه .

ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها ، فهي لا تتجاوز الأفواه إلى فهم سامعٍ ، وناسب ذكر الإطفاء الأفواه .

وقيل : إن الله لم يذكر قولاً مقروناً بالأفواه والألسن إلا وهو زور ، ومجيء إلا بعد ويأبى يدل على مستثنى منه محذوف ، لأنه فعل موجب ، والموجب لا تدخل معه إلا ، لا تقول كرهت إلا زيداً .

وتقدير المستثنى منه : ويأبى الله كل شيء إلا أنْ يتم قاله الزجاج .

وقال علي بن سليمان : جاز هذا في أبي ، لأنه منع وامتناع ، فضارعت النفي .

وقال الكرماني : معنى أبى هنا لا يرضى إلا أن يتم نوره بدوام دينه إلى أن تقوم الساعة .

وقال الفراء : دخلت إلا لأنّ في الكلام طرفاً من الجحد .

وقال الزمخشري : أجرى أبى مجرى لم يرد .

ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا بقوله : ويأبى الله ، وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره ؟