الجزية : ما أخذ من أهل الذمة على مقامهم في بلاد الإسلام ، سميت بذلك لأنهم يجزونها أي يقضونها .
أو لأنها تجزى بها من منّ عليهم بالإعفاء عن القتل .
{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } نزلت حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغزو الروم ، وغزا بعد نزولها تبوك .
وقيل : نزلت في قريظة والنضير فصالحهم ، وكانت أول جزية أصابها المسلمون ، وأول ذلك أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين نفي الإيمان بالله عنهم ، لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله ، آذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به قاله الكرماني .
وقال الزجاج : لأنهم جعلوا له ولداً وبدلوا كتابهم ، وحرموا ما لم يحرم ، وحللوا ما لم يحلل .
وقال ابن عطية : لأنهم تركوا شرائع الإسلام الذي يجب عليهم الدخول فيه ، فصار جميع مالهم في البعث وفي الله من تخيلات واعتقادات لا معنى لها ، إذْ يلقونها من غير طريقها .
وأيضاً فلم تكن اعتقاداتهم مستقيمة ، لأنهم شبهوا وقالوا : عزير ابن الله وثالث ثلاثة ، وغير ذلك .
ولهم أيضاً في البعث آراء كثيرة في منازل الجنة من الرهبان .
وقول اليهود في النار يكون فيها أياماً انتهى .
وفي الغيبان نفي عنهم الإيمان لأنهم مجسمة ، والمؤمن لا يجسم انتهى .
والمنقول عن اليهود والنصارى إنكار البعث الجسماني ، فكأنهم يعتقدون البعث الروحاني ما حرم الله في كتابه ورسوله في السنة .
وقيل : في التوراة والإنجيل ، لأنهم أباحوا أشياء حرمتها التوراة والإنجيل ، والرسول على هذا موسى وعيسى ، وعلى القول الأول محمد صلى الله عليه وسلم .
وقيل : ولا يحرمون الخمر والخنزير .
وقيل : ولا يحرمون الكذب على الله ، قالوا : { نحن أبناء الله وأحباؤه } { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } وقيل : ما حرم الله من الربا وأموال الأميين ، والظاهر عموم ما حرم الله ورسوله في التوراة والإنجيل والقرآن .
ولا يدينون دين الحق أي : لا يعتقدون دين الإسلام الذي هو دين الحق ، وما سواه باطل .
وقيل : دين الحق دين الله ، والحق هو الله قاله : قتادة .
يقال : فلان يدين بكذا أي يتخذه ديناً ويعتقده .
وقال أبو عبيدة : معناه ولا يطيعون طاعة أهل الإسلام ، وكل من كان في سلطان ملك فهو على دينه وقد دان له وخضع .
لئن حللت بجوفي بني أسد *** في دين عمرو وحلت بيننا فدك
{ من الذين أوتوا الكتاب } بيان لقوله : الذين .
والظاهر اختصاص أخذ الجزية من أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل والروم نصاً .
وأما المجوس فقال ابن المنذر : لا أعلم خلافاً في أنّ الجزية تؤخذ منهم انتهى .
وروي أنه كان بعث في المجوس نبي اسمه زرادشت ، واختلف أصحاب مالك في مجوس العرب .
وأما السامرة والصابئة فالجمهور على أنهم من اليهود والنصارى تؤخذ منهم الجزية وتؤكل ذبيحتهم .
وقالت فرقة : لا تؤخذ منهم جزية ، ولا تؤكل ذبائحهم .
وقيل : تؤخذ منهم الجزية ، ولا تؤكل ذبائحهم .
وقال الأوزاعي : تؤخذ من كل عابد وثن أو نارٍ أو جامدٍ مكذب .
وقال أبو حنيفة : لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف ، وتقبل من أهل الكتاب ومن سائر كفار العجم الجزية .
وقال مالك : تؤخذ من عابد النار والوثن وغير ذلك كائناً من كان من عربي تغلبي أو قرشي أو عجمي إلا المرتد .
وقال الشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور : لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط .
والظاهر شمول جميع أهل الكتاب في إعطاء الجزية .
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا تؤخذ إلا من الرجال البالغين الأحرار العقلاء ، ولا تضرب على رهبان الديارات والصوامع المنقطعين .
وقال مالك في الواضحة : إن كانت قد ضربت عليهم ثم انقطعوا لم تسقط ، وتضرب على رهبان الكنائس .
واختلف في الشيخ الفاني ، ولم تتعرض الآية لمقدار ما على كل رأس ولا لوقت إعطائها .
فأما مقدارها فذهب مالك وكثير من أهل العلم إلى ما فرضه عمر : أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهماً على أهل الفضة ، وفرض عمر ضيافة وأرزاقاً وكسوة .
وقال الثوري : رويت عن عمر ضرائب مختلفة ، وأظن ذلك بحسب اجتهاده في عسرهم ويسرهم .
وقال الشافعي وغيره : على كل رأس دينار .
وقال أبو حنيفة : على الفقير المكتسب اثنا عشر درهماً ، وعلى المتوسط في المعنى ضعفها ، وعلى المكثر ضعف الضعف ثمانية وأربعون درهماً ، ولا يؤخذ عنده من فقير لا كسب له .
قال ابن عطية : وهذا كله في الفترة .
وأما الصلح فهو ما صولحوا عليه من قليل أو كثير .
وأما وقتها فعند أبي حنيفة أول كل سنة ، وعند الشافعي آخر السنة .
وسميت جزية من جزى يجزي إذ كافأ عما أسدي عليه ، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن ، وهي كالعقدة والجلسة ، ومن هذا المعنى قول الشاعر :
نجزيك أو نثني عليك وأن من *** أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
وقيل : لأنها طائفة مما على أهل الذمة أنْ يجزوه أي يقضوه عن يد .
قال ابن عباس : يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها .
وقال عثمان : يعطونها نقداً لا نسيئة .
وقال قتادة : يعطونها وأيديهم تحت يد الآخذ ، فالمعنى أنهم مستعلى عليهم .
وقيل : عن قوة منكم وقهر وذل ونفاذ أمر فيهم ، كما تقول : اليد في هذا لفلان أي الأمر له .
وقيل : عن إنعام عليهم بذلك ، لأن قبولها منهم عوضاً عن أرواحهم إنعام عليهم من قولهم له : عليَّ يد أيْ : نعمة .
وقال القتبي : يقال أعطاه عن يدٍ وعن ظهر يد ، إذا أعطاه مبتدئاً غير مكافىء .
وقيل : عن يد عن جماعة أي : لا يعفى عن ذي فضل منهم لفضله .
واليد جماعة القوم ، يقال القوم على يد واحدة أي : هم مجتمعون .
وقيل : عن يد أي عن غنى ، وقدرة فلا تؤخذ من الفقير .
ولخص الزمخشري في ذلك فقال : أما أن يريد يد الآخذ فمعناه حتى يعلوها عن يد قاهرة مستولية وعن إنعام عليهم ، لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم .
وإما أن يريد المعطى فالمعنى عن يدٍ مواتية غير ممتنعة ، لأنّ من أبي وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد ، ولذلك قالوا : أعطى بيده إذا انقاد واحتجب .
ألا ترى إلى قولهم : نزع يده عن الطاعة ، أو عن يد إلى يد أي نقداً غير نسيئة ، أولاً مبعوثاً على يد آخر ولكن عن يد المعطى البريد الآخذ .
وهم صاغرون جملة حالية أي : ذليلون حقيرون .
وذكروا كيفيات في أخذها منهم وفي صغارهم لم تتعرض لتعيين شيء منها الآية .
قال ابن عباس : يمشون بها ملببين .
وقال سليمان الفارسي : لا يحمدون على إعطائهم .
وقال عكرمة : يكون قائماً والآخذ جالساً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.