{ أنتم الفقراء إلى الله } : أي المحتاجون إليه في كل حال .
{ والله هو الغني الحميد } : أي الغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه ، المحمود بأفعاله وأقواله وحسن تدبيره فكل الخلائق تحمده لحاجتها إليه وغناه عنها .
بعد تلك الأدلة والحجج التي سبقت في الآيات السابقة وكلها مقررة ربوبية الله تعالى وألوهيته وموجبة توحيده وعبادته نادى تعالى الناس بقوله { يا أيها الناس } ليعلمهم بأنه وان خلقهم لعبادته وأمرهم بها وتوعد بأليم العذاب لمن تركها ولم يكن ذلك لفقر منه إليها ولا لحاجة به عليهم فقال { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغني الحميد } إن عبادة الناس لربهم تعود عليهم فيكملون عليها في أخلاقهم وأرواحهم ويسعدون عليها في دنياهم وآخرتهم أما الله جل جلاله فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية . وهو الغني عن كل ما سواه { الحميد } أي المحمود بنعمه فكل نعمة بالعباد موجبة له الحمد والشكر .
- بيان فقر العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وإِزالة فقرهم وسد حاجتهم يكون باللجوء إليه والاطراح بين يديه يعبدونه ويسألونه .
{ 15 - 18 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }
يخاطب تعالى جميع الناس ، ويخبرهم بحالهم ووصفهم ، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه :
فقراء في إيجادهم ، فلولا إيجاده إياهم ، لم يوجدوا .
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح ، التي لولا إعداده إياهم [ بها ] ، لما استعدوا لأي عمل كان .
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة ، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور ، لما حصل [ لهم ] من الرزق والنعم شيء .
فقراء في صرف النقم عنهم ، ودفع المكاره ، وإزالة الكروب والشدائد . فلولا دفعه عنهم ، وتفريجه لكرباتهم ، وإزالته لعسرهم ، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد .
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية ، وأجناس التدبير .
فقراء إليه ، في تألههم له ، وحبهم له ، وتعبدهم ، وإخلاص العبادة له تعالى ، فلو لم يوفقهم لذلك ، لهلكوا ، وفسدت أرواحهم ، وقلوبهم وأحوالهم .
فقراء إليه ، في تعليمهم ما لا يعلمون ، وعملهم بما يصلحهم ، فلولا تعليمه ، لم يتعلموا ، ولولا توفيقه ، لم يصلحوا .
فهم فقراء بالذات إليه ، بكل معنى ، وبكل اعتبار ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا ، ولكن الموفق منهم ، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه ، ويتضرع له ، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين ، وأن يعينه على جميع أموره ، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت ، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه ، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها .
{ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي : الذي له الغنى التام من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه ، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق ، وذلك لكمال صفاته ، وكونها كلها ، صفات كمال ، ونعوت وجلال .
ومن غناه تعالى ، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة ، الحميد في ذاته ، وأسمائه ، لأنها حسنى ، وأوصافه ، لكونها عليا ، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة ، وفي أوامره ونواهيه ، فهو الحميد على ما فيه ، وعلى ما منه ، وهو الحميد في غناه [ الغني في حمده ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.