السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (15)

ولما اختص تعالى بالملك ونفى عن شركائهم النفع أنتج ذلك قوله تعالى : { يا أيها الناس } أي : كافة { أنتم } أي : خاصة { الفقراء } وقوله سبحانه { إلى الله } إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه ، وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقر إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره .

فإن قيل : لم عرف الفقراء ؟ أجيب : بأنه قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء ، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم ؛ لأن الفقر يتبع الضعف وكلما كان الفقير أضعف كان أحقر ، وقد شهد الله تعالى على الإنسان بالضعف في قوله تعالى { وخلق الإنسان ضعيفاً } ( النساء : 28 ) وقال تعالى { الله الذي خلقكم من ضعف } ( الروم : 54 ) ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء .

قال القشيري : والفقر على ضربين : فقر خلقة ، وفقر صفة فالأول عام ، فكل حادث مفتقر إلى خالقه في أول حال وجوده ليبدئه وينشئه ، وفي ثانيه ليديمه ويبقيه ، وأما فقر الصفة : فهو التجرد وفقر العوام التجرد عن المال ، وفقر الخواص التجرد عن الإعلال فحقيقة الفقر المحمود تجرد السر عن المعلومات .

ولما ذكر العبد بوصفه الحقيقي أتبعه ذكر الخالق باسمه الأعظم فقال : { والله هو الغني } أي : المستغني على الإطلاق فلا يحتاج إلى أحد ولا إلى عبادة أحد من خلقه ، وإنما أمرهم بالعبادة لإشفاقه تعالى عليهم ففي هذا رد على المشركين حيث قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لعله محتاج إلى عبادتنا حتى أمرنا بها أمراً بالغاً وهددنا على تركها مبالغاً ، فإن قيل : قد قابل الفقر بالغنى فما فائدة قوله تعالى { الحميد } أي : المحمود في صنعه بخلقه ؟ أجيب : بأنه لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم وليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان الغني منعماً جواداً ، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد ذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم المستحق بإنعامه أن يحمدوه .