ولما اختص تعالى بالملك ونفى عن شركائهم النفع أنتج ذلك قوله تعالى : { يا أيها الناس } أي : كافة { أنتم } أي : خاصة { الفقراء } وقوله سبحانه { إلى الله } إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه ، وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقر إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره .
فإن قيل : لم عرف الفقراء ؟ أجيب : بأنه قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء ، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم ؛ لأن الفقر يتبع الضعف وكلما كان الفقير أضعف كان أحقر ، وقد شهد الله تعالى على الإنسان بالضعف في قوله تعالى { وخلق الإنسان ضعيفاً } ( النساء : 28 ) وقال تعالى { الله الذي خلقكم من ضعف } ( الروم : 54 ) ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء .
قال القشيري : والفقر على ضربين : فقر خلقة ، وفقر صفة فالأول عام ، فكل حادث مفتقر إلى خالقه في أول حال وجوده ليبدئه وينشئه ، وفي ثانيه ليديمه ويبقيه ، وأما فقر الصفة : فهو التجرد وفقر العوام التجرد عن المال ، وفقر الخواص التجرد عن الإعلال فحقيقة الفقر المحمود تجرد السر عن المعلومات .
ولما ذكر العبد بوصفه الحقيقي أتبعه ذكر الخالق باسمه الأعظم فقال : { والله هو الغني } أي : المستغني على الإطلاق فلا يحتاج إلى أحد ولا إلى عبادة أحد من خلقه ، وإنما أمرهم بالعبادة لإشفاقه تعالى عليهم ففي هذا رد على المشركين حيث قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لعله محتاج إلى عبادتنا حتى أمرنا بها أمراً بالغاً وهددنا على تركها مبالغاً ، فإن قيل : قد قابل الفقر بالغنى فما فائدة قوله تعالى { الحميد } أي : المحمود في صنعه بخلقه ؟ أجيب : بأنه لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم وليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان الغني منعماً جواداً ، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد ذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم المستحق بإنعامه أن يحمدوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.