التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا} (46)

{ ألم تر إلى ربك } أي : إلى صنع ربك وقدرته .

{ مد الظل } قيل : مده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأن الظل حينئذ على الأرض كلها ، واعترضه ابن عطية لأن ذلك الوقت من الليل ، ولا يقال : ظل بالليل ، واختار أن { مد الظل } من الإسفار إلى طلوع الشمس وبعد مغيبها بيسير ، وقيل : معنى { مد الظل } أي : جعله يمتد وينبسط .

{ ولو شاء لجعله ساكنا } أي : ثابتا غير زائل لكنه جعله يزول بالشمس ، وقيل : معنى ساكن غير منبسط على الأرض ، بل يلتصق بأصل الحائط والشجرة ونحوها .

{ ثم جعلنا الشمس عليه دليلا } قيل : معناه أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها في سيرها على الظل متى يتسع ، ومتى ينقبض ، ومتى يزول عن مكان إلى آخر ، فيبنون على ذلك انتفاعهم به وجلوسهم فيه ، وقيل : معناه لولا الشمس لم يعرف أن الظل شيء ، لأن الأشياء لم تعرف إلا بأضدادها .

{ ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا } قبضه نسخه وإزالته بالشمس ؛ ومعنى يسيرا شيئا بعد شيء لا دفعة واحدة .

فإن قيل : ما معنى { ثم } في هذه المواضع الثلاثة ؟ فالجواب أنه يحتمل أن تكون للترتيب في الزمان أي : جعل الله هذه الأحوال حالا بعد حال ، أو تكون لبيان التفاضل بين هذه الأحوال الثلاثة وأن الثاني أعظم من الأول ، والثالث أعظم من الثاني .