الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا} (46)

وقبضه إليه : أنه ينسخه بضح الشمس { يَسِيراً } أي على مهل . وفي هذا القبض اليسير شيئاً بعد شيء من المنافع ما لا يعدّ ولا يحصر ، ولو قبض دفعة واحدة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعاً .

فإن قلت : ثم في هذين الموضعين كيف موقعها ؟ قلت : موقعها لبيان تفاضل الأمور الثلاثة : كان الثاني أعظم من الأوّل ، والثالث أعظم منهما ، تشبيهاً لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت . ووجه آخر : وهو أنه مدّ الظل حين بنى السماء كالقبة المضروبة ، ودحا الأرض تحتها فألقت القبة ظلها على الأرض فيناناً ما في أديمه جوب لعدم النير ، ولو شاء لجعله ساكناً مستقرّاً على تلك الحالة ، ثم خلق الشمس وجعلها على ذلك الظل ، أي : سلطها عليه ونصبها دليلاً متبوعاً له كما يتبع الدليل في الطريق ، فهو يزيد بها وينقص ، ويمتدّ ويتقلص ، ثم نسخه بها فقبضه قبضاً سهلاً يسيراً غير عسير . ويحتمل أن يريد : قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهي الأجرام التي تبقى الظل فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه ، كما ذكر إنشاءه بإنشاء إسبابه ، وقوله : قبضناه إلينا : يدلّ عليه ، وكذلك قوله يسيراً ، كما قال : { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ ق : 44 ] .