فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا} (46)

{ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ } أي : ذلك الظل الممدود ، ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس ، موقعه بالتدريج حتى انتهت تلك الأظلال إلى العدم والاضمحلال ، ومعنى { إِلَيْنَا } أن مرجعه إليه سبحانه ، كما أن حدوثه منه ، وجاء بثم استعارة تبعية لتفاضل ما بين الأمور الثلاثة ، مد الظل ، وجعل الشمس عليه دليلا وقبضه يسيرا ، فكان الثاني أعظم من الأول ، والثالث أعظم من الثاني ، شبه تباعد ما بينها في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت ، أو لتفاضل مبادي أوقاتها ظهورها ، وقيل : المراد في الآية قبضه عند قيام الساعة قبض أسبابه ، وهي الأجرام النيرة ، والأول أولى ، وقيل : المعنى أن الظل يبقى في هذا الجو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا جزءا فجزءا ، وخلفه في هذا الجو شعاع الشمس فأشرقت على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها ، فإذا غربت فليس هناك ظل إنما ذلك بقية نور النهار .

وقال قوم : قبضة بغروب الشمس لأنها إذا لم تغرب فالظل فيه بقية ، وإنما يتم زواله لمجيء الليل ودخول الظلمة عليه وقيل : إن هذا القبض وقع بالشمس لأنها إذا طلعت أخذ الظل في الذهاب شيئا فشيئا قاله مالك وإبراهيم التيمي . وقيل : المعنى ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء .

{ قَبْضًا يَسِيرًا } أي : قليلا قليلا على تدريج بقدر ارتفاع الشمس ، لتنظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق ، وقيل : يسيرا أي سريعا ، قال الضحاك ، وقيل : المعنى يسير علينا ، ليس بعسير . وقال قتادة : أي خفيفا ، كلما قبض *** جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة ، وليس يزول دفعة واحدة ، وهو قول مجاهد .