تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

{ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } ، كَمَا قَالَ : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [ هود : 106 ] ، والزفير : خروج أنفاسهم ، والشهيق : ولوج أنفاسهم ، { وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ } .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ ، حدثنا ابن فُضَيْل ، حدثنا عبد الرحمن - يعني : المسعودي - عن أبيه قال : قال ابن مسعود : إذا بقي من يخلد في النار ، جُعلوا في توابيت من نار ، فيها مسامير من نار ، فلا يَرَى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره ، ثم تلا عبد الله : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ } .

ورواه ابن جرير ، من حديث حجاج بن محمد ، عن المسعودي ، عن يونس بن خَبّاب{[19889]} ، عن ابن مسعود فذكره .


[19889]:- في ت : "ابن حبان".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

الزفير : النفَس يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغمّ . وهو هنا من أحوال المشركين دون الأصنام . وقرينة معاد الضمائر واضحة .

وعطف جملة { وهم فيها لا يسمعون } اقتضاه قوله { لهم فيها زفير } لأن شأن الزفير أن يُسمع فأخبر الله بأنهم من شدة العذاب يفقِدون السمع بهذه المناسبة .

فالآية واضحة السياق في المقصود منها غنية عن التلفيق .

وقد روى ابن إسحاق في « سيرته » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد الحرام فجاء النَضْر بن الحارث فجلس معهم في مجلس من رجال قريش ، فتَلا رسول الله عليهم : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } ثم قام رسول الله وأقبل عبد الله بن الزِبَعْرَى السهمي قبل أن يُسلم فحدثه الوليد بن المغيرة بما جرى في ذلك المجلس فقال عبدالله بن الزِبعْرى : أما والله لو وجدتُه لخصمته ، فاسألوا محمداً أكلُّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع مَن عبدوهم ؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهودُ تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم .

فحُكِي ذلك لرسول الله ، فقال رسول الله : إن كلّ من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبَده ، إنهم إنما يعبدون الشيطانَ الذي أمرهم بعبادتهم ، فأنزل الله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } [ الأنبياء : 101 ] اه .

وقريب من هذا في « أسباب النزول » للواحدي ، وفي « الكشاف » مع زيادات أن ابن الزبعرى لقي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر هذا وزاد فقال : خُصِمْتَ وربّ هذه البَنِيّة ألستَ تزعم أن الملائكة عباد مكرمَون ، وأن عيسى عبد صالح ، وأن عزيرا عبد صالح ، وهذه بنو مُلَيْح يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى يعبدون المسيح ، وهذه اليهود يعبدون عزيراً ، فضجّ أهل مكة ( أي فرَحاً ) وقالوا : إن محمداً قد خُصم . ورويت القصة في بعض كتب العربية وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن الزِبَعْرى : مَا أجهلك بلغة قومك إني قلت { وما تعبدون } ، و ( ما ) لمَا لا يعقل ولم أقل « ومَن تعبدون » .

وإن الآية حكت ما يجري يوم الحشر وليس سياقها إنذاراً للمشركين حتى يكون قوله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } [ الأنبياء : 101 ] تخصيصاً لها ، أو تكون القصة سبباً لنزوله .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لهم فيها زفير} يعني: آخر نهيق الحمار {وهم فيها لا يسمعون} الصوت، وذلك حين يقال لأهل النار: اخسؤوا فيها ولا تكلمون، فصاروا بكما وعميا وصما.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقولهم:"لَهُمْ" المشركين وآلهتهم، والهاء والميم في قوله: "لَهُمْ "من ذكر «كلّ» التي في قوله: "وُكلّ فِيا خالِدُونَ". يقول تعالى ذكره: لكلهم في جهنم زفير. "وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ" يقول: وهم في النار لا يسمعون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قيل: الزفير هو الصوت الخفيض الذي فيه أنين... وقيل: الزفير هو الصوت الرفيع الذي فيه أنين. وقيل: الشهيق هو أول نهيق الحمار، والزفير هو آخر نهيقه... وقوله تعالى: {وهم فيها لا يسمعون} قيل: لا يسمعون الخير، ويسمعون غيره...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وأن لهم في جهنم زفيرا، وهو شدة التنفس. وقيل: هو الشهيق لهول ما يرد عليهم من النار.

(وهم فيها) يعني في جهنم (لا يسمعون) قال الجبائي: لا يسمعون ما ينتفعون به، وإن سمعوا ما يسوءهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{لَهُمْ}: أي لِعَبَدَةِ الأصنام، {فِيهَا} أي في النار، {زَفِيرٌ} حسرتهم على ما فاتهم، {وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} مِنْ نداءٍ يبشرهم بانقضاءِ عقوبتهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 98]

فإن قلت: لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت: لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غمّ وحسرة، حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم. والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب، ولأنهم قدّروا، أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستنفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم. فإن قلت إذا عنيت بما تعبدون الأصنام، فما معنى {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ}؟ قلت: إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد، جاز أن يقال: لهم زفير، وإن لم يكن الزافرون إلا هم دون الأصنام للتغليب ولعدم الإلباس.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

وفي علة كونهم لا يسمعون ثلاثة أقوال:... والثاني: أن السماع أنس، والله لا يحب أن يؤنسهم... والثالث: إنما لم يسمعوا لشدة غليان جهنم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لهم} أي لمن فيه الحياة من المذكورين العابدين مطلقاً والمعبودين الراضين كفرعون {فيها زفير} أي تنفس عظيم على غاية من الشد والمد. تكاد تخرج معه النفس، ويقرنون بآلهتهم زيادة في عذابهم حيث جعل المعبود الذي كان يطلب منه السعادة زيادة في الشقاوة فصار عدواً ولا يكون أنكأ من مقارنة العدو.

ولما كانت تعمية الأخبار مما يعدم القرار، ويعظم الأكدار، قال {وهم فيها لا يسمعون} حذف المتعلق تعميماً لكل مسموع..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الزفير: النفَس يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغمّ. وهو هنا من أحوال المشركين دون الأصنام. وقرينة معاد الضمائر واضحة.

وعطف جملة {وهم فيها لا يسمعون} اقتضاه قوله {لهم فيها زفير} لأن شأن الزفير أن يُسمع فأخبر الله بأنهم من شدة العذاب يفقِدون السمع بهذه المناسبة.