غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

92

{ لهم فيها زفير } قد سبق معانيه في آخر سورة هود { وهم فيها لا يسمعون } شيئاً إما لأنهم يجعلون في توابيت من نار عن ابن مسعود ، وإما لأنه تعالى يصمهم كما يعميهم . والصمم في بعض الأوقات لا ينافي كونهم سامعين أقوال أهل الجنة في غير ذلك الوقت ، أو المراد أنهم لا يسمعون ما يسرهم ، أو الضمير للمعبودين والسماع سماع إجابة ، وعلى هذا فالضمير في { لهم فيها زفير } للعابدين وجاز اعتماداً على فهم السامع حيث يرد كلاً من الضميرين غلى ما يناسبهما كأنه قيل : العابد يدعو والمعبود لا يجيب ، ويجوز أن يكون للمعبودين أيضاً لأن فيهم من يتأتى منه الزفير كالشياطين فغلب ، أو لأن الجماد ينطقه الله وقتئذ والزفير بمعنى اللهيب والله أعلم . يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحرث وكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليهم { إنكم وما تعبدون من دون الله } الآية . فأقبل عبد الله بن الزبعري فأخبره الوليد بن المغيرة بما جرى فقال معترضاً : أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فقال عليه السلام : بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك وأنزل الله تعالى { إن الذين سبقت } الآية . فخرج من الحديث . الآية جواب ابن الزبعري على أتم وجه وأكمله كأنه قيل أولاً إن الآية باقية على عمومها لأن الذين عبدوا عزيراً والمسيح والملائكة لم يعبدونهم في الحقيقة ، وإنما عبدوا الشياطين التي دعتهم إلى ذلك ، ولئن سلم أنهم عبدوهم في الحقيقة لكنهم مخصوصون بما سبقت لهم منا الخصلة الحسنى وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو بتوفيق الطاعة وكل ميسر لما خلق له . ومن المفسرين من أجاب عن اعتراض ابن الزبعري بوجوه آخر منها : أن قوله { إنكم } خطاب لمشركي قريش وإنهم لم يعبدوا سوى الأصنام . ولقائل أن يقول : حمل الآية على العموم أتم فائدة . ومنها أن قوله { وما تعبدون } لا يتناول العقلاء فيسقط الاعتراض . ولقائل أن يقول : ما أعم لا مباين فيشمل ذوي العقول وغيرهم ولهذا جاء

{ والسماء وما بناها } [ الشمس : 5 ] سبحان ما سخركن لنا . ومنها أنه تعالى يصور لهم في النار ملكاً على صورة من عبدوه ، وضعف بأن القوم لم يعبدوا تلك الصورة ، وبأن الملك لا يتعذب بالنار كخزنة جهنم . واعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

/خ112