{ لهم فيها زفير } قد سبق معانيه في آخر سورة هود { وهم فيها لا يسمعون } شيئاً إما لأنهم يجعلون في توابيت من نار عن ابن مسعود ، وإما لأنه تعالى يصمهم كما يعميهم . والصمم في بعض الأوقات لا ينافي كونهم سامعين أقوال أهل الجنة في غير ذلك الوقت ، أو المراد أنهم لا يسمعون ما يسرهم ، أو الضمير للمعبودين والسماع سماع إجابة ، وعلى هذا فالضمير في { لهم فيها زفير } للعابدين وجاز اعتماداً على فهم السامع حيث يرد كلاً من الضميرين غلى ما يناسبهما كأنه قيل : العابد يدعو والمعبود لا يجيب ، ويجوز أن يكون للمعبودين أيضاً لأن فيهم من يتأتى منه الزفير كالشياطين فغلب ، أو لأن الجماد ينطقه الله وقتئذ والزفير بمعنى اللهيب والله أعلم . يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحرث وكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليهم { إنكم وما تعبدون من دون الله } الآية . فأقبل عبد الله بن الزبعري فأخبره الوليد بن المغيرة بما جرى فقال معترضاً : أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فقال عليه السلام : بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك وأنزل الله تعالى { إن الذين سبقت } الآية . فخرج من الحديث . الآية جواب ابن الزبعري على أتم وجه وأكمله كأنه قيل أولاً إن الآية باقية على عمومها لأن الذين عبدوا عزيراً والمسيح والملائكة لم يعبدونهم في الحقيقة ، وإنما عبدوا الشياطين التي دعتهم إلى ذلك ، ولئن سلم أنهم عبدوهم في الحقيقة لكنهم مخصوصون بما سبقت لهم منا الخصلة الحسنى وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو بتوفيق الطاعة وكل ميسر لما خلق له . ومن المفسرين من أجاب عن اعتراض ابن الزبعري بوجوه آخر منها : أن قوله { إنكم } خطاب لمشركي قريش وإنهم لم يعبدوا سوى الأصنام . ولقائل أن يقول : حمل الآية على العموم أتم فائدة . ومنها أن قوله { وما تعبدون } لا يتناول العقلاء فيسقط الاعتراض . ولقائل أن يقول : ما أعم لا مباين فيشمل ذوي العقول وغيرهم ولهذا جاء
{ والسماء وما بناها } [ الشمس : 5 ] سبحان ما سخركن لنا . ومنها أنه تعالى يصور لهم في النار ملكاً على صورة من عبدوه ، وضعف بأن القوم لم يعبدوا تلك الصورة ، وبأن الملك لا يتعذب بالنار كخزنة جهنم . واعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.