السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

فإن قيل : إذا عنيت بما تعبدون الأوثان فما معنى قوله تعالى : { لهم فيها زفير } أي : تنفس عظيم على غاية من الشدّة والمد تكاد تخرج معه النفس ؟ أجيب : بأنهم إذا كانوا هم وأوثانهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم : زفير ، وإن لم يكن الزافرون إلا هم دون الأوثان للتغليب ولعدم الإلباس { وهم فيها لا يسمعون } شيئاً لشدّة غليانها ، وقال ابن مسعود في هذه الآية : إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئاً ، ولا يرى أحد منهم أنّ أحداً يعذب في النار غيره ، وروي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجلس إليهم ، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم إنكم وما تعبدون من دون الله الآية ، فأقبل عبد الله بن الزبعري السلمي ، فرآهم يتهامسون فقال : فيم خوضكم ، فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته ، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعري : أأنت قلت ذلك ؟ قال : نعم ، قال : قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة ، فقال صلى الله عليه وسلم : بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ، فأنزل الله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } .