تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

وقال السدي : { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ } أي : في الفتنة .

وقال ابن زيد : أي في الرأي .

وقول قتادة أظهر في المعنى ؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزًا ؛ ولهذا قالوا له : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ } ، فكيف تقول لنا : سلوهم إن كانوا ينطقون ، وأنت تعلم أنها لا تنطق،

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

وقوله تعالى : { نكسو على رؤوسهم } استعارة للذي يرتطم في غيه كأنه منكوس على رأسه فهي أقبح هيئة للإنسان وكذلك هذا هو في أسوأ حالات النظر فقال لإبراهيم حين نكسوا في حيرتهم { ولقد علمت ما هؤلاء ينطقون } أي فما بالك تدعو إلى ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

فعل { نُكِسوا } مبني للمجهول ، أي نَكسهم ناكس ، ولمّا لم يكن لذلك النكس فاعل إلاّ أنفسهم بني الفعل للمجهول فصار بمعنى : انتَكَسوا على رؤوسهم . وهذا تمثيل .

والنكس : قلب أعلى الشيء أسفلَه وأسفله أعلاه ، يقال : صُلب اللص منكوساً ، أي مجعولاً رأسه مباشراً للأرض ، وهو أقبح هيئات المصلوب .

ولما كان شأن انتصاب جسم الإنسان أن يكون منتصباً على قدميه فإذا نُكِّس صار انتصابه كأنه على رأسه ، فكان قوله هنا { نكسوا على رؤوسهم } تمثيلاً لتغيّر رأيهم عن الصواب كما قالوا { إنكم أنتم الظالمون } إلى معاودة الضلال بهيئة من تغيرت أحوالهم من الانتصاب على الأرجل إلى الانتصاب على الرؤوس منكوسين . فهو من تمثيل المعقول بالمحسوس والمقصود به التشنيع . وحرف ( على ) للاستعلاء أي علت أجسادهم فوق رؤوسهم بأن انكبوا انكباباً شديداً بحيث لا تبدو رؤوسهم . وتحتمل الآية وجوهاً أخرى أشار إليها في « الكشاف » .

والمعنى : ثم تغيرت آراؤهم بعد أن كادوا يعترفون بحجة إبراهيم فرجعوا إلى المكابرة والانتصار للأصنام ، فقالوا : { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } ، أي أنت تعلم أن هؤلاء الأصنام لا تنطق فما أردت بقولك { فاسألوهم إن كانوا ينطقون } إلا التنصل من جريمتك .

فجملة { لقد علمت } إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه { فقالوا إنكم أنتم الظالمون } .

وجملة { ما هؤلاء ينطقون } تفيد تقوي الاتصاف بانعدام النطق ، وذلك بسبب انعدام آلته وهي الألسُن .

وفعل { عَلمت } معلق عن العمل لوجود حرف النفي بعده ، فلما اعترفوا بأن الأصنام لا تستطيع النطق انتهز إبراهيم الفرصة لإرشادهم مفرعاً على اعترافهم بأنها لا تنطق استفهاماً إنكارياً على عبادتهم إياها وزائداً بأن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر .

وجعل عدم استطاعتها النفع والضر ملزوماً لعدم النطق لأن النطق هو واسطة الإفهام ، ومن لا يستطيع الإفهام تبين أنه معدوم العقل وتوابعه من العلم والإرادة والقدرة .