تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

وقوله : { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا } أي : هذا الذي ذكرناه جازاهم الله به وأعطاهموه ، بفضله ومَنِّه وإحسانه ورحمته ؛ { عَطَاءً حِسَابًا } أي : كافيًا وافرًا شاملا كثيرًا ؛ تقول العرب : " أعطاني فأحسبني " أي : كفاني . ومنه " حسبي الله " ، أي : الله كافيّ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

واختلف المتألون : في قوله : { حساباً } ، فقال جمهور المفسرين واللغويين معناه : محسباً ، كافياً في قولهم أحسبني هذا الأمر أي كفاني ، ومنه حسبي الله ، وقال مجاهد معناه : إن { حساباً } معناه بتقسط على الأعمال لأن نفس دخول الجنة برحمة الله وتفضله لا بعمل ، والدرجات فيها والنعيم على قدر الأعمال ، فإذا ضاعف الله لقوم حسناتهم بسبعمائة مثلاً ومنهم المكثر من الأعمال والمقل أخذ كل واحد سبعمائة بحسب عمله وكذلك في كل تضعيف ، فالحساب ها هو موازنة أعمال القوم . وقرأ الجمهور «حِسَاباً » : بكسر الحاء وتخفيف السين المفتوحة ، وقرأ ابن قطب «حَسّاباً » : بفتح الحاء وشد الشين . قال أبو الفتح جاء بالاسم من أفعل على فعال ، كما قالوا أدرك فهو : دراك ، فقرأ ابن عباس وسراج : «عطاء حسناً » بالنون من الحسن وحكى عنه المهدوي أنه قرأ «حَسْباً » بفتح الحاء وسكون السين والباء ، وقرأ شريح بن يزيد الحمصي : «حِسَّاباً » بكسر الحاء وشد السين المفتوحة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

والجزاء : إعطاء شيء عوضاً على عمل . ويجوز أن يجعل الجزاء على أصل معناه المصدري وينتصب على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعللٍ مقدر . والتقدير : جزيْنا المتقين .

وإضافة ربّ إلى ضمير المخاطب مراداً به النبي صلى الله عليه وسلم للإِيماء إلى أن جزاء المتقين بذلك يشتمل على إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لأن إسداء هذه النعم إلى المتقين كان لأجل إيمانهم به وعملهم بما هداهم إليه .

و { من } ابتدائية ، أي صادراً من لدن الله ، وذلك تنويه بكرم هذا الجزاء وعظم شأنه .

ووصفُ الجزاء بعطاء وهو اسم لم يُعطَى ، أي يتفضل به بدون عوض للإِشارة إلى أن ما جوزوا به أوفرُ مما عملوه ، فكان ما ذكر للمتقين من المفاز وما فيه جزاء شكراً لهم وعطاءً كرماً من الله تعالى وكرامة لهذه الأمة إذ جعل ثوابها أضعافاً .

و { حساباً } : اسم مصدر حَسب بفتح السين يحسُب بضمها ، إذا عَدَّ أشياء وجميع ما تصرف من مادة حسب متفرع عن معنى العدّ وتقديرِ المقدار ، فوقع { حساباً } صفة { جزاء } ، أي هو جزاء كثير مقدَّر على أعمالهم .

والتنوين فيه للتكثير ، والوصف باسم المصدر للمبالغة وهو بمعنى المفعول ، أي محسوباً مقدراً بحسب أعمالهم ، وهذا مقابل ما وقع في جزاء الطاغين من قوله { جزاء وفاقاً } [ النبأ : 26 ] .

وهذا الحساب مجمل هنا يبينه قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [ الأنعام : 160 ] وقوله : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } البقرة ( 261 ) .

وليس هذا الحساب للاحتراز عن تجاوز الحد المعيَّن ، فذلك استعمال آخر كما في قوله تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ الزمر : 10 ] ولكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتها فَلا تعارض بين الآيتين .

ويجوز أن يكون { حساباً } اسم مصدر أحْسَبَه ، إذا أعطاه ما كفاه ، فهو بمعنى إحساباً ، فإن الكفاية يطلق عليها حَسْب بسكون السين فإنه إذا أعطاه ما كفاه قال : حسبي .