الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا} (36)

" جزاء من ربك " نصب على المصدر . لأن المعنى جزاهم بما تقدم ذكره ، جزاءه وكذلك " عطاء " لأن معنى أعطاهم وجزاهم واحد . أي أعطاهم عطاء . " حسابا " أي كثيرا ، قاله قتادة . يقال : أحسبت فلانا : أي كثرت له العطاء حتى قال حسبي . قال{[15758]} :

ونُقْفِي وليدَ الحَيِّ إن كان جائعاً *** ونُحْسِبُهُ إن كان ليسَ بجائعِ

وقال القتبي : ونرى أصل هذا أن يعطيه حتى يقول حسبي . وقال الزجاج : " حسابا " أي ما يكفيهم . وقاله الأخفش . يقال : أحسبني كذا : أي كفاني . وقال الكلبي : حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشرا . مجاهد : حسابا لما عملوا ، فالحساب بمعنى العد . أي بقدر ما وجب له في وعد الرب ، فإنه وعد للحسنة عشرا ، ووعد لقوم بسبعمائة ضعف ، وقد وعد لقوم جزاء لا نهاية له ولا مقدارا ، كما قال تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " [ الزمر : 10 ] . وقرأ أبو هاشم " عطاء حسابا " بفتح الحاء ، وتشديد السين ، على وزن فعال أي كفافا . قال الأصمعي : تقول العرب : حسبت الرجل بالتشديد : إذا أكرمته ، وأنشد قول الشاعر :

إذا أتاه ضيفه يُحَسِّبُهْ

وقرأ ابن عباس . " حسانا{[15759]} " بالنون .


[15758]:قائلته امرأة من بني قشير. ونقفيه: أي نؤثره بالقفية، وهي ما يؤثر به الضيف والصبي.
[15759]:هكذا رسم الشوكاني الكلمة في تفسيره، فتح القدير (5/258) ولم يضبطها.