ثم إنه تعالى لما عدد أقسام نعيم أهل الجنة قال : { جزاء من ربك عطاء حسابا } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الزجاج : المعنى جازاهم بذلك جزاء ، وكذلك عطاء لأن معنى جازاهم وأعطاهم واحد .
المسألة الثانية : في الآية سؤال وهو أنه تعالى جعل الشيء الواحد جزاء وعطاء ، وذلك محال لأن كونه جزاء يستدعي ثبوت الاستحقاق ، وكونه عطاء يستدعي عدم الاستحقاق والجمع بينهما متناف ( والجواب عنه ) : لا يصح إلا على قولنا : وهو أن ذلك الاستحقاق إنما ثبت بحكم الوعد ، لا من حيث إن الفعل يوجب الثواب على الله ، فذلك الثواب نظرا إلى الوعد المترتب على ذلك الفعل يكون جزاء ، ونظرا إلى أنه لا يجب على الله لأحد شيء يكون عطاء .
المسألة الثالثة : قوله : { حسابا } فيه وجوه ( الأول ) : أن يكون بمعنى كافيا مأخوذ من قولهم : أعطاني ما أحسبني أي ما كفاني ، ومنه قوله : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، أي كفاني من سؤالي ، ومنه قوله :
فلما حللت به ضمني *** فأولى جميلا وأعطى حسابا
أي أعطى ما كفى ( والوجه الثاني ) : أن قوله : حسابا مأخوذ من حسبت الشيء إذا أعددته وقدرته فقوله : { عطاء حسابا } أي بقدر ما وجب له فيما وعده من الإضعاف ، لأنه تعالى قدر الجزاء على ثلاثة أوجه ، وجه منها على عشرة أضعاف ، ووجه على سبعمائة ضعف ، ووجه على ما لا نهاية له ، كما قال : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ( الوجه الثالث ) : وهو قول ابن قتيبة : { عطاء حسابا } أي كثيرا وأحسبت فلانا أي أكثرت له ، قال الشاعر :
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا *** ونحسبه إن كان ليس بجائع
الوجه الرابع : أنه سبحانه يوصل الثواب الذي هو الجزاء إليهم ويوصل التفضل الذي يكون زائدا على الجزء إليهم ، ثم قال : { حسابا } ثم يتميز الجزاء عن العطاء حال الحساب ( الوجه الخامس ) : أنه تعالى لما ذكر في وعيد أهل النار : { جزاء وفاقا } ذكر في وعد أهل الجنة جزاء عطاء حسابا أي راعيت في ثواب أعمالكم الحساب ، لئلا يقع في ثواب أعمالكم بخس ونقصان وتقصير ، والله أعلم بمراده .
المسألة الرابعة : قرأ ابن قطيب : { حسابا } بالتشديد على أن الحساب بمعنى المحسب كالدراك بمعنى المدرك ، هكذا ذكره صاحب «الكشاف » .
واعلم أنه تعالى لما بالغ في وصف وعيد الكفار ووعد المتقين ، ختم الكلام في ذلك بقوله : { رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.