تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

{ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز } أي : علم كنز [ يكون ]{[21405]} ينفق منه ، { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } أي : تسير معه حيث سار . وهذا كله سهل يسير على الله ، ولكن له الحكمة في ترك ذلك ، وله الحجة البالغة { وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا } .


[21405]:- زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

ثم أخبر تعالى عنهم وهم { الظالمون } الذين أشير إليهم أنهم قالوا حين يئسوا من محمد صلى الله عليه وسلم إن يتبعون إلا رجلاً مسحوراً ، أي قد سحر فهو لا يرى مراشده ، ويحتمل { مسحوراً } أن يكون من السحر وهي الرؤية{[8783]} فكأنهم ذهبوا إلى تحقيره ، أي رجلاً مثلكم في الخلقة ، ذكره مكي وغيره .


[8783]:قال في (اللسان- سحر): والسحر أيضا: الرئة، والجمع أسحار، وسحر، وسحور، وقد يحرك فيقال: سحر، مثل نهر ونهر، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري)، أي: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه. ويظهر أن في الكلام نقضا، وأن بعضه قد سقط من النساخ قبل قوله: يجوز أن يكون من السحر، ومما روي عن العلماء في ذلك أن يكون المعنى: غلب على عقله السحر، أو يسحر بالطعام وبالشراب، أي: يغذى بهما، أو أصيب سحره، كما تقول: رأسته، أي: أصبت رأسه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 7]

ذُكر أن هاتين الآيتين نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان مشركو قومه قالوا له ليلة اجتماع أشرافهم بظهر الكعبة، وعرضوا عليه أشياء، وسألوه الآيات...

عن ابن عباس: أن قالوا له: فإن لم تفعل لنا هذا -يعني ما سألوه من تسيير جبالهم عنهم، وإحياء آبائهم، والمجيء بالله والملائكة قبيلاً، وما ذكره الله في سورة بني إسرائيل- فخذ لنفسك؛ سلْ ربك يبعثْ معك ملَكا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسَلْه فيجعل لك قصورا وجنانا وكنوزا من ذهب وفضة، تغنيك عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعلم فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بِفاعِلٍ» فأنزل الله في قولهم: أنْ خُذْ لنفسك ما سألوه أن يأخذ لها: أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا، أو يبعث معه ملَكا يصدّقه بما يقول ويردّ عنه من خاصمه. "وقالُوا ما لِهَذَا الرّسُولِ يأْكُلُ الطّعامَ ويَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا أوْ يُلْقَى إلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظّالِمُونَ إنْ تَتّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُورا".

فتأويل الكلام: وقال المشركون ما لِهَذا الرّسُولِ، يَعْنون محمدا صلى الله عليه وسلم، الذي يزعم أن الله بعثه إلينا، يَأكُلُ الطعَامَ كما نأكل، ويَمْشِي في أسواقنا كما نمشي. "لَوْلاَ أنْزِلَ إلَيهِ "يقول: هلا أنزل إليه ملَك إن كان صادقا من السماء، "فَيَكُونَ مَعَه" منذرا للناس، مصدّقا له على ما يقول، "أو يلقى إليه كنز" من فضة أو ذهب فلا يحتاج معه إلى التصرّف في طلب المعاش، "أوْ تكون له جنة" يقول: أو يكون له بستان "يَأكُلُ مِنْها"...

وقوله: "وَقال الظّالِمُونَ" يقول: وقال المشركون للمؤمنين بالله ورسوله: "إنْ تَتّبِعُونَ" أيّها القوم، باتباعكم محمدا، إِلاّ رَجُلاً به سحر.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

"وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا" أي: مخدوعا، وقيل مصروفا عن الحق، وقيل: معللا بالطعام والشراب.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ثم نزلوا أيضاً فقالوا: وإن لم يكن مرفوداً بملك فليكن مرفوداً بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلاً له بستان يأكل منه ويرتزق كما الدهاقين والمياسير، أو يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم...

{مَّسْحُورًا} سحر فغلب على عقله. أو ذا سحر، وهو الرئة: عنوا أنه بشر لا ملك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الإلقاء دالاًّ على العلو، عدلوا عن أداة الاستعلاء التي تقدم التعبير بها في هود عليه السلام من الإنزال إلى حرف النهاية فقالوا: {إليه} أي إن لم تكن له تلك الحالة {كنز} أي يوجد له هذا الأمر ويتجدد له إلقاؤه غير مكترث ولا معبوء به، برفعه عن مماثلتنا العامة من كل وجه... {إن} أي ما {تتبعون} إن اتبعتم {إلا رجلاً مسحوراً} أي يتكلم بما لا يجديه، فحاله لذلك حال من غلب على عقله بالسحر، أو ساحراً صار السحر له طبعاً، فهو يفرق بما جاء به بين المرء وزوجه وولده ونحو ذلك، وعبروا بصيغة المفعول إشارة إلى هذا، وهو أنه لكثرة ما يقع منه من ذلك -صار كأنه ينشأ عنه على غير اختياره.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكان من اعتراضاتهم الساذجة الجاهلة أن هذا الرسول يمشي في الأسواق ليكسب رزقه. فهلا كفاه الله ذلك، وحباه بالمال الكثير عن غير كد ولا عمل: (أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها)! والله لم يرد لرسوله [صلى الله عليه وسلم] أن يكون له كنز ولا أن تكون له جنة. لأنه أراد أن يكون قدوة كاملة لأمته؛ ينهض بتكاليف رسالته الضخمة الهائلة، وهو في الوقت ذاته يسعى لرزقه كما يسعى رجل من أمته. فلا يقولن أحد من أمته يكد لعيشه: لقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مكفي الحاجة، لا يعاني صراع العيش، ومن ثم فرغ لعقيدته ورسالته وتكاليفه، فلم يعوقه عائق مما أعاني.. فها هو ذا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعمل ليعيش، ويعمل لرسالته، فلا أقل من أن ينهض كل أحد من أمته بنصيبه الصغير من تكاليف هذه الرسالة -وقدوته أمامه- ولقد انهال المال بعد ذلك على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كي تتم التجربة من جانبها الآخر وتتم القدوة. فلم يدع هذا المال يشغله أو يعطله، فكان كالريح المرسلة في جوده، حتى يستعلي على فتنة المال، ويرخص من قيمته في النفوس؛ وكي لا يقولن أحد بعد ذلك: إنما نهض محمد [صلى الله عليه وسلم] برسالته، لأنه عاش فقيرا لا يشغله من المال شاغل، فها هو ذا المال يأتيه غزيرا وفيرا، ولكنه يمضي في دعوته كذلك. شأنه يوم أن كان فقيرا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} (أو) للتخيير في دلائل الرسالة في وهَمهم. ومعنى {يلقى إليه كنز} أي ينزل إليه كنز من السماء، إذ كان الغنى فتنة لقلوبهم. والإلقاء: الرمي، وهو هنا مستعار للإعطاء من عند الله لأنهم يتخيلون الله تعالى في السماء... وجعلوا إعطاء جنة له علامة على النبوءة لأن وجود الجنة في مكة خارق للعادة...

{وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} الظالمون: هم المشركون، فغير عنوانهم الأول إلى عنوان الظلم وهم هم تنبيهاً على أن في هذا القول اعتداء على الرسول بنبزه بما هو بريء منه وهم يعلمون أنه ليس كذلك فظلمهم له أشد ظلم، و صلى الله عليه وسلم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وقد نزلوا عن اشتراط أن يكون معه ملك إلى أمر آخر يمنع أن يمشي في الأسواق بأن يغنيه عن ذلك شأن الكبراء، بأن يلقي إليه، أي يعطى كنزا يغنيه، وعبّر عن إعطاء الكنز بكلمة يلقي إليه للإشارة إلى أن هذا العطاء لا يكلف من أرسله شيئا، لأنه إلقاء من خزائن الله تعالى، وقد كانوا يعرفون الله ولا يعبدونه، فيعرفون أن معه خزائن السموات والأرض، ويكون بهذا الكنز كملوك أهل الأرض فلا ينزل إلى الأسواق كما ينزل دهماء الناس والفقراء. وتنزلوا من مرتبة الملوك إلى مرتبة أتباعها وحواشيهم، الذين يمنحهم الملك الحدائق والمزارع...

{إن تَتَّبِعُونَ} إن هنا نافية، أي لا تتبعون إلا رجلا مسحورا، أي ينطق على لسانه الحق، وهذا يومئ إلى أنهم رأوا عجائب فبذل أن يقولوا إنها من عند الله قالوا: إنه مسحور ينطق على لسانه الجن والشياطين.

وفي الآية الكريمة إشارة إلى أنه كان من أهل مكة من يريدون اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اتبعه من اتبعه.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

من مجموع الآيات أعلاه، يستفاد أنّ المشركين كانت لديهم عدّة إشكالات واهية حول الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا يتنازلون عن مقالتهم مرحلة بعد مرحلة. أوّلا: إنّه أساساً يجب أن يكون ملكاً، وهذا الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ليس ملكاً بالضرورة. ثمّ قالوا: حسن جدّاً، إن لم يكن ملكاً، فيرسل اللّه على الأقل ملكاً يرافقه ويعينه. ثمّ تنازلوا عن هذا أيضاً، فقالوا: لنفرض أن رسول الله بشر، فينبغي أن يُلقى إليه كنز من السماء، ليكون دليلا على أنه موضع اهتمام الله. وقالوا في نهاية المطاف: لنفرض أنه لم يكن له أي من تلك الميزات، فينبغي على الأقل ألا يكون إنساناً فقيراً، فليكن كأي مزارع مرفه، له بستان يضمن منه معيشته. لكنّه فاقد لكلّ هذا مع الأسف، ويقول إنّني نبيّ!؟ واستنتجوا في الختام، أنّ ادعاءه الكبير هذا، في مثل هذه الشرائط، دليلٌ على أن ليس له عقل سليم.