فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوۡ يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا} (8)

{ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ } تنزلوا من مرتبة نزول الملك معه إلى اقتراح أن يكون معه كنز يلقى إليه من السماء ، ليستغني به عن طلب الرزق .

{ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } قرأ الجمهور بالفوقية ، وقرئ بالتحتية لأن تأنيث الجنة غير حقيقي ، وقرئ نأكل بالنون ، أي : بستان نأكل نحن من ثماره ، وبالتحتية ، أي : يأكل هو وحده منه ، ليكون له بذلك مزية علينا ، حيث يكون أكله من جنته : قال النحاس : والقراءتان حسنتان ، وإن كانت القراءة بالياء أبين ، لأنه قد تقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، فعود الضمير إليه أبين .

عن ابن عباس قال : إن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب ، والنضر ابن الحرث ، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ومنبه بن الحجاج ، اجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه ، وخاصموه ، حتى تعذروا منه ، فبعثوا إليه ، إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك .

قال : فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، إنا بعثنا إليك لنعذر منك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا ، جمعنا لك من أموالنا ، وإن كنت تطلب به الشرف . فنحن نسودك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بي تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك ، أو قالوا : فإذا لم تفعل هذا ، فسل نفسك ، وسل ربك ، أن يبعث معك ملكا يصدقك ، بما تقول ، ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جنانا ، وقصورا ، من ذهب وفضة ، يغنيك عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق ، وتلتمس المعاش ، كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ، ومنزلتك من ربك ، إن كنت رسولا ، كما تزعم .

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا ) فأنزل الله في ذلك هذه الآية أخرجه ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر .

{ وَقَالَ الظَّالِمُونَ } المراد بهم هنا هم القائلون بالمقالات الأول ، وإنما وضع الظاهر موضع المضمر مع الوصف بالظلم للتسجيل عليهم به : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا } أي مخدوعا مغلوبا على عقله بالسحر ، وقيل ذا سحر ، وهي الرئة ، أي : بشرا : له رئة لا ملكا ، فالمراد بالسحر هنا لازمه ، وهو اختلال العقل وقد تقدم بيان مثل هذا في سبحان .