تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَطَّعۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُمَمٗاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (168)

يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمما ، أي : طوائف وفرقًا ، كما قال [ تعالى ]{[12287]} { وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } [ الأسراء : 104 ]

{ مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ } أي : فيهم الصالح وغير ذلك ، كما قالت الجن : { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } [ الجن : 11 ] ، { وَبَلَوْنَاهُمْ } أي : اختبرناهم { بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ } أي : بالرخاء والشدة ، والرغبة والرهبة ، والعافية والبلاء ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }


[12287]:زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَطَّعۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُمَمٗاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (168)

{ وقطعناهم } معناه فرقناهم في الأرض ، قال الطبري عن جماعة من المفسرين : ما في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود ، والظاهر في المشار إليهم في هذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم ، والظاهر أنه قبل مدة عيسى عليه السلام لأنه لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، وفي التواريخ في هذا الفصل روايات مضطربة ، و { الصالحون } و { دون ذلك } ألفاظ محتملة أن يدعها صلاح الإيمان ف { دون } بمعنى غير يراد بها الكفرة ، وإن أريد بالصلاح العبادة والخير وتوابع الإيمان ف { دون ذلك } يحتمل أن يكون في مؤمنين ، و { بلوناهم } معناه امتحناهم ، و { الحسنات } الصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره ، و { السيئات } مقابلات هذه ، وقوله : { لعلهم } أي بحسب رأيكم لو شاهدتم ذلك ، والمعنى لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون من المعصية .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقَطَّعۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُمَمٗاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (168)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وقطعناهم}، يعني وفرقناهم {في الأرض أمما}، يعني فرقا، يعني بنى إسرائيل، {منهم الصالحون}، يعني المؤمنين، {ومنهم دون ذلك}، يعني دون الصالحين، فهم الكفار، {وبلوناهم بالحسنات والسيئات}، يقول: ابتليناهم بالخصب والشدة، {لعلهم}، يعني لكي {يرجعون} إلى التوبة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وفرّقنا بني إسرائيل في الأرض أمما، يعني جماعات شتى متفرّقين...

وقوله:"مِنْهُمُ الصّالِحُونَ" يقول: من هؤلاء القوم الذين وصفهم الله من بني إسرائيل الصالحون، يعني: من يؤمن بالله ورسله. "وَمِنْهُمْ دُونَ ذلكَ "يعني: دون الصالح. وإنما وصفهم الله جلّ ثناؤه بأنهم كانوا كذلك قبل ارتدادهم عن دينهم وقبل كفرهم بربهم، وذلك قبل أن يُبعث فيهم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه.

وقوله: "وَبَلَوْناهُمْ بالحَسَناتِ وَالسّيّئاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ" يقول: واختبرناهم بالرخاء في العيش والخفض في الدنيا والدعة والسعة في الرزق، وهي الحسنات التي ذكرها جلّ ثناؤه. ويعني بالسيئات: الشدّة في العيش، والشظف فيه والمصائب والرزايا في الأموال. "لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ" يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم، وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي تفريقهم فيها ثلاثة أوجه: أحدها: زيادة في الانتقام منهم. والثاني: ليذهب تعاونهم. والثالث: ليتميز الصالح من المفسد.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أجراهم على ما علم أنهم يكونون عليه من صلاح وسداد، ومعاص وفساد. ثم ابتلاهم بفنون الأفعال من محن أزاحها، ومن منن أتاحها، وطالبهم بالشكر على ما أسدى، والصبر على ما أبلى، ليظهر للملائكة والخلائق أجمعين جواهرهم في الخلاف والوفاق، والإخلاص والنفاق...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن قوله: {وقطعناهم} أحد ما يدل على أن الذي تقدم من قوله: {ليبعثن عليهم} المراد جملة اليهود، ومعنى {قطعناهم} أي فرقناهم تفريقا شديدا. فلذلك قال بعده: {في الأرض أمما} وظاهر ذلك أنه لا أرض مسكونة إلا ومنهم فيها أمة، وهذا هو الغالب من حال اليهود، ومعنى قطعناهم، فإنه قلما يوجد بلد إلا وفيه طائفة منهم.

ثم قال: {منهم الصالحون} قيل المراد القوم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام لأنه كان فيهم أمة يهدون بالحق. وقال ابن عباس ومجاهد: يريد الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وقوله: {ومنهم دون ذلك} أي ومنهم قوم دون ذلك، والمراد من أقام على اليهودية.

فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون قوله: {ومنهم دون ذلك} من يكون صالحا إلا أن صلاحه كان دون صلاح الأولين لأن ذلك إلى الظاهر أقرب.

قلنا: أن قوله بعد ذلك: {لعلهم يرجعون} يدل على أن المراد بذلك من ثبت على اليهودية وخرج من الصلاح.

أما قوله: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} أي عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات، وهي النعم والخصب والعافية، والسيئات هي الجدب والشدائد، قال أهل المعاني: وكل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة، أما النعم فلأجل الترغيب، وأما النقم فلأجل الترهيب. وقوله: {يرجعون} يريد كي يتوبوا.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ثم بين تعالى كيف كان بدء إذلال اليهود بإزالة وحدتهم، وتمزيق جامعتهم فقال: {وقطعناهم في الأرض أمما} أي وفرقناهم في الأرض حال كونهم أمما بالتقدير، أو صيرناهم أمما متقطعة، بعد أن كانوا أمة متحدة {منهم الصالحون} كالذين نهوا الذي اعتدوا في السبت عن ظلمهم، والذين كانوا يؤمنون بأنبياء الله تعالى فيهم من بعد موسى إلى عهد عيسى عليهم السلام، والذين آمنوا بمحمد خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، {ومنهم دون ذلك} ومنهم ناس دون وصف الصلاح لم يبلغوه، وهم درجات أو دركات، منهم الغلاة في الكفر والفسق، كالذين كانوا يقتلون النبيين بغير حق، ومنهم السماعون للكذب الأكالون للسحت، إلى غير ذلك مما هو شأن الأمم الفاسدة في كل عصر، تفسد بالتدريج لا دفعة واحدة كما نراه في أمتنا الإسلامية.

{وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} أي امتحناهم، وبلونا سرائرهم واستعدادهم، بالنعم التي تحسن، وتقر بها الأعين، وبالنقم التي تسوء صاحبها، وربما حسنت بالصبر والإنابة عواقبها، رجاء أن يرجعوا عن ذنبهم، وينيبوا إلى ربهم، فيعود برحمته وفضله عليهم.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

"وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَمًا" أي: فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد ما كانوا مجتمعين، مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ القائمون بحقوق اللّه، وحقوق عباده، وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ أي: دون الصلاح، إما مقتصدون، وإما ظالمون لأنفسهم، "وَبَلَوْنَاهُمْ" على عادتنا وسنتنا، "بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ" أي: بالعسر واليسر. "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" عما هم عليه مقيمون من الردى، يراجعون ما خلقوا له من الهدى،

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم تمضي خطوات القصة مع خطوات التاريخ، من بعد موسى وخلفائه، مع الأجيال التالية في بني إسرائيل إلى الجيل الذي كان يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة:

"وقطعناهم في الأرض أمماً.. منهم الصالحون ومنهم دون ذلك.. وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون. فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب، يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون: سيغفر لنا. وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه. ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق، ودرسوا ما فيه، والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون! والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر المصلحين"..

وهذه بقية الآيات المدنية الواردة في هذا السياق تكملة لقصة بني إسرائيل من بعد موسى.. ذلك حين تفرق اليهود في الأرض؛ جماعات مختلفة المذاهب والتصورات، مختلفة المشارب والمسالك. فكان منهم الصالحون وكان منهم من هم دون الصلاح. وظلت العناية الإلهية تواليهم بالابتلاءات. تارة بالنعماء وتارة بالبأساء لعلهم يرجعون إلى ربهم، ويثوبون إلى رشدهم، ويستقيمون على طريقهم (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون)..

والمتابعة بالابتلاء رحمة من الله بالعباد، وتذكير دائم لهم، ووقاية من النسيان المؤدي إلى الاغترار والبوار..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ووصف الأمم بأنهم {منهم الصالحون} إيذان بأن التفريق شمل المذنبين وغيرهم، وأن الله جعل للصالحين منزلة إكرام عند الأمم التي حلّوا بينها، كما دل عليه قوله: {وبلوناهم بالحسنات والسيّئات}. وشمل قوله: {ومنهم دون ذلك} كل من لم يكن صالحاً على اختلاف مراتب فقدان الصلاح منهم. وقوله: {وبلوناهم} إشارة إلى أن الله عاملهم مرة بالرحمة ومرة بالجزاء على أعمال دهمائهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ومرّة أُخرى تتجلى هذه الحقيقة في هذه الآية وهي أنّ الإِسلام لا يعادي العنصر اليهودي، ولا يشجبهم لكونهم أتباع دين معيّن، أو منتمين إلى عنصر وعرق معيّن، بل يجعل أعمالهم هي مقياس تقييمهم.