نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَطَّعۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُمَمٗاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (168)

ذكر شيء مما هددوا به في التوراة على العصيان والبغي والعدوان غير ما تقدم في المائدة عند { من لعنه الله وغضب عليه }{[33869]} وغيرها من الآيات - قال في السفر الخامس : وإن {[33870]}لم تحفظ وتعمل{[33871]} بجميع الوصايا والسنن التي{[33872]} كتبت في هذا الكتاب وتتق الله ربك وتهب{[33873]} اسمه المحمود المرهوب ، يخصك الرب بضربات موجعة ويبتليك بها ، ويبتلي نسلك من بعدك وتدوم{[33874]} عليك ، ويبقى من نسلك عدد قليل من بعد كثرتهم التي كانت قد صارت مثل نجوم السماء ، وتجلون عن الأرض التي{[33875]} تدخلونها لترثوها ، ويفرقكم الرب بين الشعوب ، وتعبدون هنالك الآلهة الأخرى{[33876]} التي عملت من الحجارة والخشب ، ولا تسكنون أيضاً بين تلك الشعوب ، ولكن يصير الله قلوبكم هناك فزعة مرتجفة بالغداة{[33877]} تقولون : متى نمسي ؟ وبالعشيّ تقولون : متى نصبح ؟ وذلك من فزع قلوبكم وخوفكم وقلة حيلتكم ، ويردكم الله إلى أرض مصر في ألوف في الطريق الذي قال الرب : لا تعودوا{[33878]} أن تروه ، وتباعون هناك عبيداً{[33879]} وإماء ، ولا يكون من يشتريكم - هذه أقوال العهد{[33880]} التي أمر الله بها موسى أن يعاهد بني إسرائيل في أرض موآب سوى العهد{[33881]} الذي عاهدهم بحوريب ؛ ثم دعا موسى جميع بني إسرائيل وقال لهم : قد رأيتم ما صنع الله بأرض مصر بفرعون وجميع عبيده وكل شعبه{[33882]} والبلايا العظيمة التي رأت أعينكم والآيات والأعاجيب التي شهدتموها ، ولم يعطكم الرب قلوباً تفهم وتعلم ، ولا أعيناً تبصر ولا آذاناً تسمع إلى يومنا هذا ، ودبركم في البرية أربعين سنة ، لم تبل ثيابكم عليكم ولم تخلق خفافكم أيضاً ولم تأكلوا خبزاً ، لتعلموا أني أنا الله ربكم ، وأنا الذي أتيت بكم إلى هذه البلاد ، فاحفظوا وصايا هذه التوراة واعملوا بها وأتموا جميع الأعمال في طاعة الله وأكملوها ، لأنكم قد عرفتم جميعاً أن كنا سكاناً بأرض مصر وجزنا بين الشعوب ، ورأيتم نجاستهم وأصنامهم ، لعل فيكم اليوم رجلاً أو امرأة أو قبيلة أو سبطاً يميل قلبه عن{[33883]} عبادة الله ربنا ويطلب عبادة آلهة{[33884]} تلك الشعوب ، فيسمع أقوال هذا العهد فيقول : يكون لي{[33885]} السلام فأتبع مسرة قلبي ، هذا لا يريد الرب أن يغفر له ، ولكن هناك يشتد غضب الرب وزجره عليه وينزل به{[33886]} كل اللعن الذي في هذا الكتاب ، ويستأصل الرب اسمه من تحت السماء ويفرزه الرب من جميع أسباط بني إسرائيل للشر والبلايا ويقول الحقب الآخر بنوكم الذين يقومون من بعدكم والغرباء ، وينظرون إلى ضربات تلك الأرض والأوجاع أنزل الله بها ويقول الشعب{[33887]} : لماذا صنع الرب هكذا ؟ ولماذا{[33888]} اشتد غضبه على هذا الشعب العظيم ؟ ويقولون : لأنهم تركوا عهد الله إله آبائهم ، فاشتد غضب الرب على هذه الأمة وأمر أن ينزل بها كل اللعن الذي كتب في هذا الكتاب ، ويجليهم الرب عن بلادهم بغضب وزجر شديد ويبعدهم إلى أرض غريبة كما ترى{[33889]} اليوم ، فأما الخفايا والسرائر فهي لله ربنا ، والأمور الظاهرة المكشوفة هي لنا .

ولما أخبر سبحانه بالتأذن ، كان كأنه قيل : فأسرعنا في عقابهم بذنوبهم وبعثنا عليهم من سامهم سوء العذاب بالقتل والسبي ، فعطف عليه قوله : { وقطعناهم } أي بسبب ما حصل لهم من السبي المترتب على العذاب بما لنا من العظمة تقطيعاً كثيراً بأن أكثرناًُ تفريقهم{[33890]} { في الأرض } حال كونهم { أمماً } يتبع بعضهم بعضاً ، فصار في كل بلدة قليل منهم ليست{[33891]} لهم شوكة ولا يدفعون عن أنفسهم ظلماً .

ولما كان كأنه قيل : فهل أطبقوا بعد{[33892]} هذا العذاب على الخير ؟ قيل :لا ، بل فرقتهم الأديان نحو فرقة{[33893]} الأبدان { منهم الصالحون } أي الذين{[33894]} ثبتوا على دينهم إلى أن جاء الناسخ له فتبعوه امتثالاً لدعوة كتابهم { ومنهم دون ذلك } أي بالفسق تارة وبالكفر أخرى { وبلوناهم } أي عاملناهم معاملة المبتلى ليظهر للناس ما نحن به منهم عالمون { بالحسنات } أي النعم { والسيئات } أي النقم { لعلهم يرجعون* } أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن غيه رغبة أو رهبة .


[33869]:- آية 60 .
[33870]:- من ظ، وفي الأصل: لم يحفظ ويعمل.
[33871]:- من ظ، وفي الأصل: لم يحفظ ويعمل.
[33872]:- في ظ: الذي.
[33873]:- في الأصل: يهاب، وفي ظ: تهاب.
[33874]:- من ظ، وفي الأصل: يدوم.
[33875]:- زيد من ظ.
[33876]:-سقط من ظ.
[33877]:- في ظ: بالعذاب.
[33878]:- في الأصل وظ: لا يقودوا-كذا.
[33879]:- زيد من ظ.
[33880]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[33881]:-سقط ما بين الرقمين من ظ.
[33882]:- من ظ، وفي الأصل: تسعة.
[33883]:- في ظ: من.
[33884]:-سقط من ظ.
[33885]:- من ظ، وفي الأصل: إلى.
[33886]:- زيد من ظ.
[33887]:- سقط من ظ.
[33888]:- سقط من ظ.
[33889]:- من ظ، وفي الأصل: يرى.
[33890]:- في ظ: تقريعهم.
[33891]:- من ظ، وفي الأصل: كسبت.
[33892]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[33893]:- من ظ، وفي الأصل: فرقوا.
[33894]:- زيد بعده في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.