قوله تعالى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً } الآية .
هذه الآية تدلُّ على أن المراد بقوله : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } جملة اليهود ، ومعنى " قَطَّعناهُم " أي : فرقناهم في الأرض ، وهذا يدلُّ على أنَّهُ لا أرض مسكونة إلاَّ وفيها منهم أمة ، وهذا هو الغالبُ .
وقوله : " أمَماً " إمَّا حالٌ من مفعول " قطَّعْنَاهُم " ، وإمَّا مفعولٌ ثانٍ على ما تقدَّم من أنَّ " قطَّع " تضمَّن معنى : صَيَّر . و " مِنْهُمُ الصَّالحُون " صفة ل " أمم " .
وقال أبو البقاء : " أو بدل منه ، أي : من أمم " . يعني : أنَّهُ حالٌ من مفعول : " قطَّعناهُمْ " أي : فرَّقناهُم حال كونهم منهم الصَّالحون .
قيل : المرادُ ب " الصَّالحينَ " الذين كانوا في زمن موسى - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - ؛ لأنَّهُ كان فيهم قوم يهدون بالحق .
وقال قتادةُ : هم الذين وراء نهر وداف من وراء الصِّين{[16948]} .
وقال ابنُ عباس ومجاهد : هم الذين آمنوا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ك : عبد الله بن سلام وغيره{[16949]} . وقوله : { وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك } أي : من أقام على اليهوديِّةِ .
فإن قيل : لم لا يجُوزُ أن يكون قوله : { وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك } من يكون صالحاً إلاَّ أنَّ صلاحَهُ دون صلاح الأولين ؛ لأنَّهُ أقرب إلى الظاهرِ ؟
فالجوابُ : أن قوله بعد ذلك : " لَعَلَّهُمْ يرجعُونَ " يدُل على أنَّ المراد من ثَبَتَ على اليَهُوديَّةِ .
قوله : { وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك } " منهم " خبرٌ مقدم ، و " دُون ذلك " : نَعْتٌ لِمنعُوتٍ محذوف هو المبتدأ ، والتقدير : ومنهم ناسٌ أو قومٌ دون ذلك .
قال الزمخشري{[16950]} : معناه : ومنهم ناسٌ منحطُّون عن الصَّلاح ، ونحوه : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] . بمعنى : مَا منَّا أحدٌ إلاَّ له مقامٌ معلومٌ . يعني في كونه حذف الموصوفُ وأقيم الجملة الوصفية مقامهُ ، كما قام مقامه الظرفُ الوصفيُّ ، والتفصيل ب " مِنْ " يجوزُ فيه حذفُ الموصوف وإقامةُ الصِّفة مقامه كقولهم : منَّ ظَعَنَ ومنَّا أقَامَ .
وقال ابنُ عطيَّة{[16951]} : فإن أريدَ بالصَّلاح الإيمانُ ف " دُونَ " بمعنى " غير " يُراد به الكفرة .
قال أبُو حيان{[16952]} : إن أراد أنَّ دُونَ ترادفُ " غيراً " ، فليس بصحيحٍ ، وإن أراد أنَّهُ يلزم أنَّ من كان دون شيء أن يكون غيراً له فصحيح ، وذلك إمَّا أن يُشارَ به إلى الصَّلاح وإمَّا أن يُشار به إلى الجماعة ، فإن أشير به إلى الصلاح ؛ فلا بد من حذفِ مضاف ، ليصحَّ المعنى ، تقديره : ومنهم دُون أهل ذلك الصلاح ، ليعتدلَ التقسيم ، وإن أُشير به إلى الجماعة ، أي : ومنهم دون أولئك الصالحين ، فلا حاجة إلى تقدير مضافٍ ؛ لاعتدال التقسيم بدونه .
وقال أبو البقاء{[16953]} : دُون ذلِكَ ظرفٌ أو خبر على ما ذكرنا في قوله :
{ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 94 ] وفيه نظر من حيث إن " دُونَ " ليس بخبر .
قوله : { وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات } أي : عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسناتِ ، وهي : النِّعمُ والخصبُ ، والعافيةُ ، والسَّيِّئاتِ وهي الجدب ، والشَّدائدُ .
قال أهل المعاني : وكُلُّ واحدةٍ من الحسناتِ والسيئاتِ تدعُو إلى الطَّاعة ، أمَّا النعم فللترغيب ، وأمَّا النِّقَمُ فللترهيب .
{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } : لكي يندموا ويتوبوا ويرجعوا إلى طاعة ربِّهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.