الآية 168 وقوله تعالى : { وقطّعناهم في الأرض أمما } يحتمل فرّقناهم في وقت بعد ما كانوا مجموعين . ثم يحتمل الجمع وجهين : كانوا مجموعين ثم تفرّقوا ، فصار بعضهم كفارا ، وبعضهم مؤمنين . أو كانوا مجموعين في المكان والمعاش والماء والكلأ ، ثم تفرّقوا ، فصاروا متفرقين في المكان والمعاش وغيره ، أو كانوا في الدين واحدا ، فصاروا{[9071]} أصحاب أهواء . ويحتمل قوله تعالى : { وقطّعناهم في الأرض أمما } أي أمّة بعد أمّة وجماعة بعد جماعة : بعضهم خلف{[9072]} لبعض على ما ذكر { فخلف من بعدهم خلف } [ الأنعام : 169 ] .
وقوله تعالى : { منهم الصالحون ومنهم دون ذلك } فإن كان قوله تعالى : { وقطّعناهم في الأرض } في الدين والمذهب ، فيكون تأويله { منهم الصالحون } المؤمنون { ومنهم دون ذلك } الكفار ، ويكون قوله تعالى : { دون ذلك } أي غير ذلك كقوله تعالى : { أتعبدون من دون الله } [ المائدة : 76 ] أي غير الله .
وإن كان في المعاش فبعضهم دون بعض في المعاش ، وسّع على بعض المعاش ، وشدّد على بعض ، وضيّق ؛ فيكون بعضهم دون بعض في المعاش والرزق ، أو بعضهم دون بعض في الدين ؛ بعضهم على الصلاح ، وبعضهم أصحاب أهواء ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } ابتلى بعضهم في الخصب والسعة ، وبعضهم بالشدة والضيق ليذكّرهم الموعود من الثواب في الحسنات ، ويزجوهم [ عن ]{[9073]} الموعود من العقاب عن السيئات { لعلهم يرجعون } يتوبون ، ويرجعون عن ذلك .
وقوله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } فهو يخرّج على وجوه :
أحدها : بلوناهم بالنعيم والخصب والسعة ليعرفوا فضل الله وإحسانه ، فيرجعوا إليه بالشكر والثناء . [ وبلوناهم بالسيئات ]{[9074]} أي بالبلايا في أنفسهم والمصائب والضّيق ليعرفوا قدرة الله وسلطانه ، فيرجعوا{[9075]} إليه بالتضرّع والفزع والدعاء والتوبة .
والثاني : معناه أي بلوناهم بالحسنات والسيئات ليتقرّر عندهم أن غيرهم أملك بهم من أنفسهم ، فيرجعوا إليه النفس لأمره وحكمه .
والثالث : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } المؤمن منهم والكافر حتى إذا رأوا الاستواء في الدنيا ، وفي الحكمة التفريق بينهم ، فيضطرّ الجميع إلى الإيمان بالبعث ، إذ خروجهم من الدنيا على سواء .
والرابع : أنه إنما جعل النعيم في الدنيا ليعرفوا لذة الموعود في الآخرة ، وكذلك الشدة ، فابتلاهم بالأمرين جميعا ليستعدّوا للرجوع إلى الموعود لهم في الآخرة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.