لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضُهم أولياء بعض ، قطع الموالاة بينهم وبين الكفار ، كما قال الحاكم في مستدركه :
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ، حدثنا أبو سعد{[13199]} يحيى بن منصور الهروي ، حدثنا محمد بن أبان ، حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافرًا ، ولا كافر مسلما " ، ثم قرأ : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه{[13200]}
قلت : الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " {[13201]} وفي المسند والسنن ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " {[13202]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد ، [ عن محمد بن ثور ]{[13203]} عن معمر ، عن الزهري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال : " تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان ، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت له حرب " {[13204]}
وهذا مرسل من هذا الوجه ، وقد روي متصلا من وجه آخر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين " ، ثم قال : " لا يتراءى ناراهما " {[13205]}
وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد : حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، أخبرني يحيى بن حسان ، أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود ، حدثنا جعفر بن سعد بن سَمُرَة بن جُنْدُب [ حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن سمرة ]{[13206]} عن سمرة بن جندب : أما بعد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " {[13207]}
وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه ، من حديث حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الله بن هرمز ، عن محمد وسعيد ابنى عبيد ، عن أبي حاتم{[13208]} المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من تَرْضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا{[13209]} تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " . قالوا : يا رسول الله ، وإن كان ؟ قال : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " ثلاث مرات .
وأخرجه أبو داود والترمذي ، من حديث حاتم بن إسماعيل ، به بنحوه{[13210]}
ثم رُويَ من حديث عبد الحميد بن سليمان ، عن ابن{[13211]} عَجْلان ، عن ابن وَثيمةَ النَّصْري{[13212]} عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلا تفعلوا{[13213]} تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " {[13214]}
ومعنى قوله تعالى : { إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } أي : إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين ، وإلا وقعت الفتنة في الناس ، وهو التباس الأمر ، واختلاط المؤمن بالكافر ، فيقع بين الناس فساد منتشر طويل عريض .
هذا حكم بأن الكفار ولايتهم واحدة ، وذلك بجمع الموارثة والمعاونة والنصرة ، وهذه العبارة ترغيب وإقامة للنفوس ، كما تقول لمن تريد أن يستضلع{[5490]} : عدوك مجتهد ، أي فاجتهد أنت ، وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن قتادة أنه قال : أبى الله أن يقبل إيمان من آمن ولم يهاجر ، وذلك في صدر الإسلام ، وذلك أيضاً مذكور مستوعب في تفسير قوله عز وجل : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً }{[5491]} .
والذي يظهر من الشرع أن حكم المؤمن التارك للهجرة مع علمه بوجوبها حكم العاصي لا حكم الكافر ، وقوله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } [ النساء : 97 ] إنما هي فيمن قتل مع الكفار ، وفيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا بريء من مسلم أقام بين المشركين لا تراءى ناراهما » الحديث{[5492]} على اختلاف ألفاظه وقول قتادة إنما هو فيمن كان يقوم متربصاً يقول من غلب كنت معه ، وكذلك ذكر في كتاب الطبري والكشي ، والضمير في قوله { إلا تفعلوه } قيل هو عائد على الموارثة والتزامها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا تقع الفتنة عنه إلا عن بعد وبوساطة كثيرة ، وقيل هو عائد على المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي ، وهذا تقع الفتنة عنه عن قرب فهو آكد من الأول ، ويظهر أيضاً عوده على حفظ العهد والميثاق الذي يتضمنه { إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } [ الأنفال : 72 ] وهذا إن لم يفعل فهي الفتنة نفسها ، ويظهر أن يعود الضمير على النصر للمسلمين المستنصرين في الدين ، ويجوز أن يعود الضمير مجملاً على جميع ما ذكر ، والفتنة المحنة بالحرب وما أنجز معها من الغارات والجلاء والأسر ، و «الفساد الكبير » ظهور الشرك ، وقرأ جمهور الناس «كبير » بالباء المنقوطة واحدة ، وقرأ أبو موسى الحجازي عن الكسائي بالثاء منقوطة مثلثة وروى أبو حاتم المدني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ «وفساد عريض » ، وقرأت فرقة «والذين كفروا بعضهم أولى ببعض » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.