اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ} (73)

قال ابن عباس " يرث المشركون بعضهم من بعض " {[17524]} وهذا إنما يستقيم إذا حملنا الولاية على الإرث ، بل الحق أن يقال : إنَّ كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود فلمَّا ظهرت دعوة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - تناصروا وتعاونوا على إيذائه ومحاربته ، فالمراد من الآية ذلك .

قوله " إلاَّ تَفْعَلُوه " الهاءُ تعودُ إمَّا على النَّصرِ ، أو الإرث ، أو الميثاق ، أي : حِفْظه أو على جميع ما تقدَّم ذكره ، وهو معنى قول الزمخشري : " ألاَّ تفعلُوا ما أمرتكُم به " .

وقرأ العامة " كبير " بالباء الموحدة ، وقرأ الكسائيُّ فيما{[17525]} حكى عنه أبو موسى الحجازي " كثير " بالثَّاءِ المثلثة ، وهذا قريب ممَّا في البقرة .

والمعنى : قال ابن عبَّاسٍ : " إلاَّ تأخُذُوا في الميراثِ بِمَا أمرتُكُم بِهِ " {[17526]} وقال ابنُ جريجٍ : " إلاَّ تتعاونُوا وتتناصَرُوا " {[17527]} .

وقال غيرهم : إن لم تفعلوا ما أمرتكم به في هذه التَّفاصيل المذكورة تحصل فتنة في الأرض ، قوة الكفر ، وفساد كبير ، وضعف الإسلام . وبيان هذه الفتنة والفساد من وجوه : الأول : أنَّ المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم ، وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم فربما صارت تلك المخالطة سبباً لالتحاق المسلم بالكافر ، وثانيها : أن المسلمين إذا تفرقوا لم يظهر لهم جمع عظيم ، فيصير ذلك سبباً لجراءة الكفار عليهم . وثالثها : إذا كان جمع المسلمين يزيد كل يوم في العدة والقوة ، صار ذلك سبباً لمزيد رغبتهم في الإسلام ورغبة المخالف في الالتحاق بهم .


[17524]:ذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/264).
[17525]:ينظر: الكشاف 2/240، المحرر الوجيز 2/557، البحر المحيط 4/518، الدر المصون 3/438.
[17526]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/297) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/373) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[17527]:ذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/264) عن ابن جريج.