التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ} (73)

قوله : { والذين كفروا بعضهم أولياء بضع } أي أن الكافرين بعضهم أعوان بعض وأنصاره . وبعضهم أحق ببعض من المسلمين . فبعضهم أحق ببعض في النصرة والعون وفي الميراث ، هم أحق ببعضهم في ذلك من قرابتهم من المسلمين . وبذلك قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم أولياء بعض ، يتناصرون بدينهم ويتعاملون تبعا لملتهم . وعلى هذا لا يكون مؤمنا من كان مقيما بدار الحرب ولم يهاجر . وقد ذكر أن الرجل كان ينزل بين المسلمين والمشركين ، يقول إن ظهر هؤلاء كنت معهم . وإن ظهر هؤلاء كنت معهم ، فأبى الله عليهم ذلك . وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين ) ثم قال : ( لا يتراءى نارهما ) ، وأخرج أبو داود عن حبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب قال : ما بعد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جامع المشرك وسكن معه فغنه مثله ) .

وفي انقطاع الولاية بمعنى الميراث ، بين المسلم والكفار أخرج الحاكم في مستدركه عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافرا ، ولا كافرا مسلم ) ثم قرأ : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } . وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ) .

قوله : { إلا تفعلوه تكن فتنة في ارض وفساد كبير } { تكن } ، تامة بمعنى : تقع . وهي لا تفتقر إلى خبر . وفتنة مرفوعة به ارتفاع الفاعل بفعله{[1702]} . يعني إذا لم تفعلوا ما أمرتكم بع من التعاون بينكم ، والنصرة على الدين { تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } والمراد بالفتنة هنا ، اختلاط المسلمين بالكافرين في الوقت الذي يكون فيه البأس والشوكة للكفر والكافرين ، لا جرم أن ذلك سبب كبير وجد خطير يفضي في الغالب بالمسلمين تحت سطوة الشرك أن يصيروا مشركين ، أو يتبدل فيهم كثير من سمات الإسلام بقيمه وأخلاقه وخصاله ؛ فيكونوا نظراء الكافرين أنفسهم . وذلك هو شأن المسلم الذي يستظل بظل الكفر والكافرين إذا لم يجد لنفسه من حوله من صحبة المسلمين من يؤنسه ويذكره بأمور دينه ، فلسوف تجتاحه محاذير التفكك والانحلال من ربقة الإسلام شيئا فشيئا . وتلكم فتنة كبيرة . وذلكم فساد عريض . لكن المسلم إذا بات في بلده وأهله غير آمن على نفسه من عدوان الظالمين المتسلطين من حكام المسلمين . الحكام الطغاة المجرمين الذين يسوسون المسلمين بالقهر والقسر والطغيان ، ويحكمون بغير ما أنزل الله ؛ فلا حرج عليه عندئذ وفي مثل هذا الظرف العجيب الغريب الذي يهجر فيه المسلم بلده ليأوي إلى ديار الكافرين حيث الأمن والاستقرار . والمسلم في ذلك إنما يختار لنفسه أهون الضررين{[1703]} .


[1702]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 392.
[1703]:تفسير الرازي جـ 15 ص 219 وتفسير البيضاوي ص 246 وتفسير النسفي جـ 2 ص 113 وتفسير القرطبي جـ 8 ص 56، 57.