الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ} (73)

وقوله سبحانه : { والذين كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [ الأنفال : 73 ] .

وذلك يجمع الموارثَةَ والمعاوَنَةَ والنُّصْرة ، وهذه العبارةُ تحريضٌ وإِقامةٌ لنفوس المؤمنين ؛ كما تقولُ لمن تريدُ تحريضَهُ : عَدُوُّكَ مُجْتَهِدٌ أي : فاجتهد أَنْتَ ، وحكى الطبريُّ في تفسير هذه الآية ، عن قتادة ؛ أنه قال : أبَى اللَّهُ أَن يقبل إِيمانَ مَنْ آمن ، ولم يُهَاجرْ ، وذلك في صَدْر الإِسلام ، وفيهم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَقَامَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ لاَ تَتَرَاءَى نَارُهُمَا ) الحديثَ على اختلاف ألفاظه ، وقول قتادة ، إِنما هو فيمن كان يُقيمُ متربِّصاً يقول : مَنْ غَلَبَ ، كُنْتُ معه ؛ وكذلِكَ ذُكِرَ في كتاب «الطَّبريِّ » ، وغيره ، والضميرُ في قوله : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } قيل : هو عائدٌ على المُؤازرة والمعاونة ، ويحتملُ على الميثاق المذكور ، ويحتملُ على النَّصْر للمسلمين المستَنْصِرِينَ ، ويحتمل على الموارثَة والتزامها ، ويجوز أَن يعود مجملاً على جميعِ ما ذُكِرَ ، والفتْنَةُ : المِحْنَة بالحَرْب وما أنجر معها ؛ من الغارَاتِ ، والجلاءِ ، والأسر ، والفسادُ الكَبيرُ : ظُهُورُ الشِّرْك .