محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ} (73)

وقوله تعالى :

73 { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير }

{ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } أي فلا يتولاهم إلا من كان منهم ، ففيه إشارة إلى نهي المسلمين عن موالاتهم . وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم ، وإن كانوا أقارب وقد استدل به على أنه لا توارث بين المسلمين والكفار .

روى الحاكم في ( مستدركه ) عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما ، ثم قرأ { والذين كفروا . . . } الآية " رواه الشيخان عنه{[4437]} بلفظ : " لايرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " .

وقوله تعالى : { إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التواصل ، وتولي بعضكم بعضا ، ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار ، تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة ، لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك ، كان الشرك ظاهرا والفساد زائدا ، في الاعتقادات والأعمال .

وقيل : الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو النصر أو الإثبات . وقيل إنه للاستنصار المفهوم من الفعل . والفتنة : إهمال المؤمنين المستنصرين بنا ، حتى يسلط علينا الكفار . إذ فيه وهن للدين .

قال الشهاب : وفيه تكلف ، أي فالأوجه عوده للتولي والتواصل – كما بينا- .

قال الرازي : بيان هذه الفتنة والفساد عن وجوه :

الأول – أن المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين ، وقلة عددهم وزمان قوة الكفار ، وكثرة عددهم ، فربما صارت تلك المخالطة سببا لالتحاق المسلم بالكفار .

/ الثاني – ان المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم ، فيصير ذلك سببا لجرأة الكفار عليهم .

الثالث – أنه إذا كان جمع المسلمين كل يوم في الزيادة في العدد والعدة صار ذلك سببا لمزيد رغبتهم فيما هم فيه ، ورغبة المخالف في الالتحاق بهم . انتهى .


[4437]:الحديث رواه مسلم عن أسامة بن زيد في : 23 كتاب الفرائض، حديث رقم 1 (طبعتنا) ولم يخرجه البخاري.