تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

قال الله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا } وهم قومه ، { الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } وقوله { جَاثمِيِنَ } أي : هامدين لا حِرَاك بهم . وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة ، وفي الأعراف رجفة ، وفي الشعراء عذاب يوم الظلة ، وهم أمة واحدة ، اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقَمُ كلها . وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ، ففي الأعراف لما قالوا : { لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا } [ الأعراف : 88 ] ، ناسب أن يذكر هناك الرجفة ، فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها ، وأرادوا إخراج نبيهم منها ، وهاهنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم{[14895]} وأخمدتهم ، وفي الشعراء لما قالوا : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 189 ] ، قال { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الشعراء : 189 ] ، وهذا من الأسرار الغريبة الدقيقة ، ولله الحمد والمنة كثيرًا دائمًا .


[14895]:- في ت ، أ : "أسكنتهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

{ ولما جاء أمرنا نجّينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا } إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله : { وعد غير مكذوب } وقوله : { إن موعدهم الصبح } فلذلك جاء بفاء السببية . { وأخذت الذين ظلموا الصّيحة } قيل صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا . { فأصبحوا في ديارهم جاثمين } ميتين ، وأصل الجثوم اللزوم في المكان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

وقوله تعالى : { ولما جاء أمرنا } الآية ، «الأمر » ها هنا يصح أن يكون مصدر أمر ويصح أن يكون واحد الأمور . وقوله : { برحمة منا } إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيباً لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه ، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم ، وأما { الصيحة } فهي صيحة جبريل عليه السلام ، وروي أنه صاح بهم ، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتاً قد تقطعت حجب قلبه ، و «الجثوم » أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض ، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

عُطف { لما جاء أمرنا } هنا وفي قوله في قصة عاد { ولمّا جاء أمرنا نجينا هوداً } [ هود : 59 ] بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمود { فلمّا جاء أمرنا نجينا صالحاً } [ هود : 66 ] وفي قصة قوم لوط { فلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها } [ هود : 82 ] لأن قصتَيْ ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي تَوعّدَ به النبيئان قومَهما ؛ ففي قصة ثمود { فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعْدٌ غير مكذوبٍ } [ هود : 65 ] ، وفي قصة قوم لوط { إن موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريب } [ هود : 81 ] ؛ فكان المقام مقتضياً ترقب السّامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حلّ بهم على الوعيد به . وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكنّ الوعيد فيهما مجمل من قوله : { ويستخلف ربّي قوماً غيركم } [ هود : 57 ] ، وقوله : { وارتقبوا إنّي معكم رقيب } [ هود : 9 ] .

وتقدم القول في معنى { جاء أمرنا } إلى قوله : { ألاَ بُعْداً لمدين } في قصة ثمود . وتقدم الكلام على { بُعْداً } في قصة نوح في قوله : { وقيل بُعداً للقوم الظالمين } [ هود : 44 ] .